وقال الضحاك : ضرب مثلاً لضعف آلهتهم ووهنها، فلو علموا أن عبادة الأوثان، في عدم الغنى، كما ذكرنا في المثل، لَمَا عبدوها، ولكنهم لا يعلمون، بل الله يعلم ضَعف ما تعبدون من دونه وعجزه، ولذلك قال :﴿إن الله يعلم ما تدعون من دونه من شيء﴾، أي : يعلم حاله، وصفته، وحقيقته، وعدم صلاحيته لِمَا تؤملونه منه، فما : موصولة، مفعول " يعلم "، وهي تامة، أي : يتعلق علمه بجميع ما يعبدونه من دونه، أيّ شيء كان. أو ناقصة، والثاني محذوف، أي : يعلمه وهياً وباطلاً. وقيل : استفهامية معلقة، وأما كونها نافية فضعيف، و " من " الثانية ؛ للبيان، ومن قرأ بالخطاب ؛ فعلى حذف القول، أي : ويقال للكفرة : إن الله يعلم ما تعبدونه من دونه من جيمع الأشياء، أو : أيّ شيء كان.
﴿
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣١٢
وهو العزيزُ﴾
الغالب الذي لا شريك له، ﴿الحكيمُ﴾ في ترك المعاجلة بالعقوبة، وفيه تجهيل لهم، حيث عبدوا جماداً لا علم له ولا قدرة، وتركوا عبادة القادر القاهر على كل شيء، الحكيم الذي لا يفعل إلا لحكمة وتدبير.
﴿وتلك الأمثالُ﴾ الغريبة، أي : هذا المثل ونظائره ﴿نضربها للناس﴾ ؛ نُبّيِّنُها لهم ؛ تقريباً لما بَعُدَ عن أفهامهم. كان سفهاء قريش وجهَلَتُهم يقولون : إن رب محمد يضرب المثل بالذباب والعنكبوت، ويضحكون من ذلك، فلذلك قال تعالى :﴿وما يعقلها إلا العالِمون﴾، أي : بالله وصفاته وأسمائه، وبمواقع كلامه وحِكَمه، أي : لا يعقل صحتها وحُسنها، ولا يفهم حكمتها، إلا هم ؛ لأن الأمثال والتشْبيهات إنما هي طرق إلى المعاني المستورة، حتى يبرزها ويصورها للأفهام، كما صور هذا التشبيه الذي بيّن فيه حال المشرك وحال المؤمن. وعن النبي ﷺ أنه تلا في هذه الآية، وقال :" العالِم : مَنْ عقل عن الله، فعمل بطاعته، واجتنب سخطه "، وَدَلَّتْ هذه الآية على فضل العلم وأهله.


الصفحة التالية
Icon