﴿خلقَ اللهُ السمواتِ والأرضَ بالحق﴾ أي : محقاً، لم يخلقها عبثاً، كما لم يضرب الأمثال عبثاً، بل خلقها لحكمة، وهي أن تكون مساكن عباده، وعبرة للمعتبرين منهم ودلائل على عظم قدرته، بدليل قوله :﴿إن في ذلك لآيةً للمؤمنين﴾ ؛ لأنهم هم المنتفعون
٣١٣
بها. وقيل : بالحق ؛ العدل، وقيل : بكلامه وقدرته، وذلك هو الحق الذي خلق به الأشياء. وخص السموات والأرض ؛ لأنها المشهودات. والله تعالى أعلم.
الإشارة : من اعتمد على غير الله، أو مال بالمحبة إلى شيء سواه، كان كمن اعتمد على خيط العنكبوت، فعن قريب يذهب ويفوت، يا من تعلق بمن يموت ؛ قد تَمَسَّكَتَ بأضعف من خيط العنكبوت.
تنبيه : الأشياء الحسية جعل الله فيها القوي والضعيف، والعزيز والذليل، والفقير والغني ؛ لِحكمة، وأما أسرار المعاني القائمة بها ؛ فكلها قوية عزيزة غنية، فالأشياء، بهذا الإعتبار - أعني : النظر لحسها ومعناها - كلها قوية في ضعفها، عزيزة في ذلها، غنية في فقرها. ولذلك تجد الحق تعالى يدفع بأضعف شيء وأقوى شيء، وينصر بأذل شيء على أقوى شيء. رُوي أنه لما نزل قوله تعالى :﴿وإن أوْهَن البيوت لبيتُ العنكبوت﴾ ؛ شكى العنكبوتُ إلى الله تعالى، وقال ربِّ خلقتني ضعيفاً، ووصفتني بالإهانة والضعف، فأوحى الله تعالى إليه : انكسر قلبك من قولنا، ونحن عند المنكسرة قلوبهم من أجلنا، وقد صددنا بنسجك الضعيف صناديد قريش، وأغنينا محمداً عن كل ركن كثيف، فقال : يا رب حسبي أن خلقت في ذلي عزتي، وفي إهانتي قوتي. هـ. ذكره في اللباب.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣١٢


الصفحة التالية
Icon