الإشارة : الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر المتعلِّقَيْنِ بالجوارح الظاهرة، والذكر ينهى عن الفحشاء والمنكر والمتعلقين بالعوالم الباطنة، وهي المساوئ التي تحجب العبد عن حضرة الغيوب فإذا أكثر العبد من ذكر الله، على نعت الحضور والتفرغ من الشواغل، تنور قلبه، وتطهر سره ولُبه، فاتصف بأوصاف الكمال، وزالت عن جميع العلل، ولذلك جعلته الصوفية مُعْتَمَدَ أعمالِهِمْ، والتزموه مع مرور أوقاتهم وأنفاسهم، ولم يقتنعوا منه بقليل ولا كثير، بل قاموا بالجد والتشمير، فيذكرون أولاً بلسانهم وقلوبهم، ثم بقلوبهم فقط، ثم بأرواحهم وأسرارهم فيغيبون حينئذٍ في شهود المذكور عن وجودهم وعن ذكرهم، وفي هذا المقام ينقطع ذكر اللسان، ويصير العبد محواً في وجود العيان، فتكون عبادتهم كلها فكرة وعبرة، وشهوداً ونظرة، وهو مقام العيان في منزل الإحسان، فيكون ذكر اللسان عندهم بطالة، وفي ذلك يقول الشاعر :
مَا إِنْ ذَكَرْتُكِ إلاّ همَّ يَلْعَنُني
سِرِّي وَقَلْبِي وروحي، عند ذِكْرَاكَ
حَتَّى كَأَنَّ رَقيباً مِنْكَ يَهْتِفُ بِي :
إِيَّاكَ، وَيْحَك، والتَّذْكَارَ، إِيَّاكَ
أَمَا تَرَى الْحقَّ قَدْ لاَحَتْ شَوَاهِدُهُ ؟
وَوَاصَلَ الْكُلَّ، مِنْ مَعْنَاهُ، مَعْنَاكَ ؟ !
قال القشيري : ويقال : ذكر الله أكبر من أن يبقى معه ذكر مخلوق أو معلوم للعبد، فضلاً أن يبقى معه للفحشاء والمنكر سلطان. هـ. وقال في القوت على هذه الآية : الذكر عند الذاكرين : المشاهدة، فمشاهدة المذكور في الصلاة أكبر من الصلاة. هذا أحد
٣١٦