هذا، وكونه ﷺ أُمياً كَمَالٌ في حقه ﷺ، مع كونه أمياً أحاط بعلوم الأولين والآخرين، وأخبر بقصص القرون الخالية والأمم الماضية، من غير مدارسة ولا مطالعة، وهو، مع ذلك، يُخبر بما مضى، وبما يأتي إلى قيام الساعة، وسرد علم الأولين والآخرين مما لا يعلم القصة الواحدة منها إلا الفاذ من أحبارهم، الذي يقطع عمره في مدارسته وتعلمه، وهذا كله في جاهلية جهلاء، بَعُد فيها العهد بالأنبياء، وبدّل الناس، وغيَّروا في كتب الله تعالى ؛ بالزيادة والنقصان، ففضحهم ﷺ وقرر الشرائع الماضية، فهذا كله كاف في صحة نبوته، فكانت أميته ﷺ وَصْفَ كمال في حقه، ومعجزةً دالة على نبوته ؛ لأنه ﷺ، مع كونه أُمياً، ظهر عليه من العلوم اللدنية، والأسرار الربانية، ما يعجز عنه العقول، ولا تُحيط به النقول، مع إحكامه لسياسة الخلق، ومعالجتهم، مع تنوعهم، وتدبير أمر الحروب، وإمامته في كل علم وحكمة.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣١٨
وأيضاً : المقصود من القراءة والكتابة : ما ينتج عنهما من العلم ؛ لأنهما آلة، فإذا حصلت الثمرة استغنى عنهما. والمشهور أنه ﷺ لم يكتب قط. وقال الباجي وغيره : إنه كتب، لظاهر حديث الحديبية. وقال مجاهد والشعبي : ما مات النبي ﷺ حتى كتب وقرأ. وهذا كله ضعيف.