﴿والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم﴾ ؛ لنُنزلنهم ﴿من الجنة غُرَفاً﴾ ؛ علالي، عالية، وقرأ حمزة والكسائي :﴿لنثوينهم﴾ ؛ لنقيمنهم، من الثَّوَى، وهو الإقامة، وثوى : غَيْرُ متعد، فإذا تعدى ؛ بزيادة الهمزة لم يجاوز مفعولاً واحداً. والوجه في تعديته إلى ضمير المؤمنين وإلى الغرف : إما إجراؤه مجرى " لننزلنهم "، أو : بحذف الجار، وإيصال الفعل، أو : شبه الظرف المؤقت، بالمبهم، أي : لنقيمنهم في غرف ﴿تجري من تحتها الأنهارُ خالدين فيها نِعْمَ أجرُ العاملين﴾ أجرهم هذا. وهم ﴿الذين صبروا﴾ على مفارقة الأوطان وأذى المشركين، وعلى المحن والمصائب، ومشاق الطاعات، وترك المحرمات، ﴿وعلى ربهم يتوكلون﴾، أي : لم يتوكلوا في جميع ذلك إلا على الله، فكفاهم شأنهم. وبالله التوفيق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٢٢
الإشارة : كل من لم يَتَأَتَّ له جَمْعُ قَلْبِهِ في بلده ؛ فليهاجر منها إلى غير، وليسمع قول سيده :﴿يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة﴾، فإن شق عليه مفارقة الأوطان، فليذكر مفارقته للدنيا في أقرب زمان. وكان الصدِّيق رضي لَمَّا هاجر إلى المدينة، وأصابته الحمى، يتسلى بذكر الموت، ويُنشد :
كُلُّ امْرِىءٍ مُصَبَّحٌ في أَهْلهِ
والمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
وقد أكثر الناس في الوعظ بالموت وهجومه، نظماً ونثراً، فمن ذلك قول الشاعر :
المَوْتُ كَأسٌ، وكُلُّ النَاس شَارِبُه
والقَبْرُ بَابٌ، وكُلُّ الناس دَاخِلُهُ
وقال آخر :
اعْلَمْ بِأَنَّ سِهَامَ الْمَوْتِ قَاطِعَةٌ
بِكُلِّ مُدِّرع فِيهَا وَمُتَّرِسِ
ركوبُك النعشُ يُنْسِيكَ الرُّكُوبَ إلى
مَا كُنْتَ تَرْكَبُ مِنْ نَعْلٍ ومَنِ فَرَسِ
تَرْجُو النَّجَاةَ، وَلَمْ تَسْلُكْ طَرِيَقَتَهَا
إنَّ السَّفَينَةَ لاَ تَجْرِيَ علَى يَبَسِ
إلى غير ذلك مما يطول.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٢٢


الصفحة التالية
Icon