يقول الحق جل جلاله :﴿وكأيِّن من دابة﴾ أي : وكم دابة من داوب الأرض،
٣٢٣
عاقلة وغير عاقلة، ﴿لا تحملُ رِزْقَها﴾ ؛ لا تطيق أن تحمله ؛ لضعفها عن حمله، ﴿اللهُ يرزقها وإياكم﴾ أي : لا يرزق تلك الدواب الضعاف إلا الله، ولا يرزقكم أنتم أيها الأقوياء إلا الله، وإن كنتم مطيقين لحمل أرزاقكم وكسبها ؛ لأنه لو لم يخلق فيكم قدرة على كسبها، لكنتم أعجز من الدواب. وعن الحسن :﴿لا تحمل رزقها﴾ : لا تدخره، إنما تصبح خِمَاصاً، فيرزقها الله. وقيل : لا يدخر من الحيوان قوتاً إلا ابن آدم والفأرة والنملة. ﴿وهو السميع﴾ لقولكم : نخشى الفقر والعيْلة إن هاجرنا، ﴿العليم﴾ بما في ضمائركم من خوف فوات الرزق.
ثم ذكر دلائل قدرته على الرزق وغيره فقال :﴿ولئن سألتهم﴾ أي : المشركين وغيرهم ﴿مَنْ خَلَقَ السماوات والأرض﴾ على كبرهما وسعتهما، ﴿وسخَّرَ الشمسَ والقمرَ﴾ يجريان في فلكهما، ﴿ليقولُنَّ اللهُ﴾ ؛ لا يجدون جواباً إلا هذا، لإقرارهم بوجود الصانع، ﴿فأنى يؤفكون﴾ ؛ فكيف يُصرفون عن توحيد الله ؟ مع إقرارهم بهذا كله، إذ لوتعدد الإله لفسد نظام العالم.
﴿الله يَبسُطُ الرِزْقَ لمن يشاءُ من عباده﴾ هاجر أو أقام في بلده، ﴿ويقدرُ له﴾ ؛ ويضيق عليه، أقام أو هاجر، فالضمير في ﴿له﴾ لمن يشاء ؛ لأنه مبهم غير معين، ﴿إن الله بكل شيء عليم﴾ ؛ يعلم ما يصلح العباد وما يفسدهم، فمنهم من يصله الفقر، ومنهم من يُفسده، ففي الحديث القدسي :" إن من عبادي من لا يُصلح إيمانه إلى الغنى، ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الفقر، ولو أغنيته لأفسده ذلك " ذكره النسفي.


الصفحة التالية
Icon