﴿ولئن سألتهم من نزَّل من السماءِ ماء فأحيا به الأرضَ من بعد موتها ليقولن اللهُ﴾ ؛ معترفين بأنه الموجد للكائنات بأسرها، أصولها وفروعها، ثم إنهم يُشركون به بعض مخلوقاته الذي هو أضعف الأشياء. ﴿قل الحمد لله﴾ على إظهار قدرته، حتى ظهرت لجميع الخلق، حتى أقرت بها الجاهلية الجهلاء. أو : على ما عصمك مما هم عليه، أو : على تصديقك وإظهار حجتك، أو : على إنزاله الماء لإحياء الأرض، ﴿بل أكثرُهُم لا يعقلون﴾ ؛ لا عقول لهم، فلا يتدبرون فيما يُريهم من الآيات ويقيم عليهم من الدلالات.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٢٣
والله تعالى أعلم.
الإشارة : الرزق مضمون بيد من أَمْرِ بين الكاف والنون، لا يزيد بحرص قوي، ولا ينقص بعجز ضعيف، بل قد ينعكس الأمر، كما الشاعر :
كَمْ قَوِيٍّ قَوِيٍّ في تقلبه
ترى عَنْهُ أَمْرَ الرَّزْقِ يَنْحَرفُ
٣٢٤
وكم ضعيفٍ ضعيفٍ في تصرفه
كأنه من خليجِ البحرِ يَغْتَرِفُ
وقد يبسطه الله لأهل الغفلة والبُعد، ويقدره لأهل الولاية والقُرب، كما قال القائل :
اللهَ يَرْزُق قَوْماً لاَ خَلاَقَ لَهُمْ
مِثْلَ الْبَهَائِمِ في خَلْقِ التَّصَاوِيرِ
لَوْ كَانَ عَنْ قُوَّةٍ أَوْ عَنْ مُغَالَبَةٍ
طَارَ البُزَاةُ بِأرْزَاقِ الْعَصَافِيرِ
وقال عليه الصلاة والسلام - في بعض خطبه - :" أيها الناس، إن الرزق مقسوم، لن يعدو امْرُؤٌ ما كُتِبَ له، فاتقوا الله، وأَجْمِلُوا في الطَلَبِ. وإن الأمر محدود، لن يجاوز أحد ما قُدر له، فبادروا قبل نفود الأجل، وإن الأعمال محصاة، لن يُهْمَلَ منها صغيرةٌ ولا كبيرةٌ، فأكثروا من صالح الأعمال... " الحديث. وقال ﷺ :" لو توكلتمْ على الله حقَّ توكلِهِ، لرَزقتم كما تُرزق الطير ؛ تغدو خِمَاصاً وتروح بِطَانا ".
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٢٣


الصفحة التالية
Icon