وقوله تعالى :﴿يُخرج الحي من الميت﴾ يُخرج الذاكر من الغافل، والغافل من الذاكر، والعارف من الجاهل، والجاهل من العارف، ويُحيي أرض النفوس باليقظة والمعرفة، بعد موتها بالغفلة والجهل، وكذلك تُخرجون من قبوركم على ما متم عليه، من معرفة أو جهل، من يقظة أو غفلة، يموت المرء على ما عاش عليه، ويبعث على ما مات عليه. والله تعالى أعلم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٣٥
يقول الحق جل جلاله :﴿ومن آياته﴾ الدالة على قدرته، الشاملة للبعث وغيره : أو : ومن علامات ربوبيته :﴿أن خلقكم﴾ أي : أباكم ﴿من ترابٍ﴾ ؛ لأن أصل الإنشاء منه، ﴿ثم إذا أنتم بشر تنتشرون﴾ أي : ثم فاجأتم وقت كونكم بشراً منتشرين في الأرض، آدم
٣٣٧
وذريته. ﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها﴾ ؛ لأن حواء خُلقت من ضلع آدم، والنساء بعدها خُلقن من أصلاب الرجال. أو : من شكل أنفسكم وجنسها، لا مِنْ جنس آخر، وذلك لما بين الاثنين - إِذْ كَانَا من جنس واحد - من الألفة والمودة والسكون، وما بين الجنسين المختلفين من التنافر. ويقال سكن إليه : إذا مال إليه. ﴿وجعل بينكم مودة ورحمة﴾ أي : جعل بينكم التوادد والتراحم بسبب الزواج.
وعن الحسن : المودة كناية عن الجماع، والرحمة هي الولد. وقيل المودة للشابة الجميلة، والرحمة للعجوز، وقيل : المودة والرحمة من الله، والفَرْك من الشيطان - أي : البغض من الجانبين. ﴿إن في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون﴾ ؛ فيعلمون ما في ذلك من الحِكم، وأن قوام الدنيا بوجود التناسل.


الصفحة التالية
Icon