الإشارة : أصل النشأة البشرية من الطين، وأصل الروح من نور رب العالمين. فإذا غلبت الطينة على الروح جذبتها إلى عالم الطين، فكان همها الطين، وهوت إلى أسفل سافلين، فلا تجد فكرتها وحديثها، في الغالب، إلا في عالم الحس، ويكون عملها كله عَمَلَ الجوارح، يفنى بفنائها. وإذا غلبت الروح على الطينة ؛ وذلك بدخول مقام الفناء، حتى تستولي المعاني على الحسيات. وتنخنس البشرية تحت سلطان أنوار الحقيقة، جذبتها إلى عالم الأنوار والأسرار، فلا تجد فكرتها إلا في أنوار التوحيد وأسرار التفريد، وعملها كله قلبي وسري. بين فكرة واعتبار، وشهود واستبصار، يبقى مع الروح ببقائها، يجري عليها بعد موت البشرية، ويبعث معها، كما تقدم في الحديث :" يموت المرء... " إلخ.
قال القشيري : يقال : الأصل تُربة، ولكن العِبرَة بالتربية لا بالتربة. هـ. قلت : إذ بالتربية تغلب الروح على البشرية، ثم قال : اصطفى الكعبة، فهي خير من الجنة، مع أن الجنة جواهر ويواقيت، والكعبة حجر ومدر، أي : كذلك المؤمن الكامل، وإن كان أصله من الطين، فهو أفضل من كثير العوالم اللطيفة. ثم قال في قوله تعالى :﴿ومن آياته أن خلق لكم من انفسكم أزواجاً﴾ الآية : رَدَّ المِثْلَ إلى المِثْل، وربط الشكلَ بالشكل، وجعل سكونَ البعض إلى البعضِ، وذلك للأشباح والصُّورَ، والأرواح صحِبت الأشباح ؛ كرهاً لا طوعاً، وأما الأسرار فمُعْتَقَةٌ، لا تساكن الأطلال، ولا تتدنس بالأغيار. هـ.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٣٧


الصفحة التالية
Icon