يقول الحق جل جلاله :﴿ضَرَبَ لكم مثلاً﴾ لقُبح الشرك وبشاعته، منتزعاً ﴿من أنفسكم﴾ التي هي أقرب شيء إليكم، وهو :﴿هل لكم﴾، معَاشرِ الأحْرَارِ، ﴿مما ملكت أيمانُكُم﴾ اي من عبيدكم ﴿من شركاءَ فيما رزقناكم﴾ من الأموال وغيرها. فَمِنْ، الأولى : للابتداء، والثانية : للتبعيض، والثالثة : مزيدة ؛ لتأكيد الاستفهام الجاري مجرى النفي. والمعنى : هل لكم، من بعض عبيدكم، شرك فيما رزقناكم، اي : هل ترضون أن يكون عبيدكم شركاء لكم، فيما رزقناكم ؟ ﴿فأنتم فيه سواء﴾ ؛ فتكونون أنتم وهم، فيما رزقناكم من الأموال، سواء ؛ يتصرفون فيه كتصرفكم، ويحكمون فيه كحكمكم، مع أنهم بشرٌ مثلكم، حال كونكم ﴿تخافونهم﴾ أي : يستبدوا بالتصرف فيه، ﴿كخِيفَتِكُم أنفُسَكُم﴾ أي : كما يخاف الأحرار بعضهم من بعض - فيما هو مشترك بينهم - أن يستبد فيه بالتصرف دونه. أو : تخافونهم أن يقاسموكم تلك الأموال، أو : يرثونها بعدكم، كما تخافون ذلك من بعضكم، فإذا لم تَرْضَوْا ذلك لأنفسكم، فكيف ترضونه لرب الأرباب ومالك الأحرار والعبيد، أن تجعلوا بعض عبيده له شركاء في استحقاق العبادة ؟ !
﴿كذلك﴾، أي : مثل هذا التفصيل البديع، ﴿نُفصِّلُ الآياتِ﴾ ؛ بينهما ؛ لأن التمثيل
٣٤٢
مما يكشف المعاني ويوضحها ﴿لقوم يعقلون﴾ ؛ يتدبرون في ضرب الأمثال، ويعرفون حكمها وأسرارها، فلما لم ينزجروا أضرب عنهم، فقال :﴿بل اتَّبعَ الذين ظلموا﴾ أنفسهم بالشرك ﴿أهواءَهم بغير علمٍ﴾، أي : تبعوا أهواءهم، جاهلين، ولو كان لهم عِلْمٌ ؛ لَرُجِيَ أن يزجرهم، ﴿فمن يهدي من أضل الله﴾ ؟ اي : لا هادي له قط، ﴿وما لهم من ناصرين﴾ يمنعونهم من العذاب، أو : يَحْفُظونهم من الضلالة، أو : من الإقامة فيها.
الإشارة : ما قيل في الشرك الجلي يجري مثله في الشرك الخفي ؛ فأن الحق تعالى غيور، لا يُحب العمل المشترك، ولا القلب المشترك. العمل المشترك لا يقبله، والقلب المشترك لا يُقبل عليه، وأنْشَدُوا :


الصفحة التالية
Icon