فقوله في الحديث :" كُلُّ مَولُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ " أي : على القابلية والصلاحية للتوحيد، ثم منهم من يتمحض لذلك، كما سبق في القدر، ومنهم من لم يوفق لذلك، بل يخذل ويُصرف عنه ؛ لما سبق عليه من الشقاء. وقال في المشارق : أي : يخلق سالماً من الكفر، متهيئاً لقبول الصلاح والهدى، ثم أبواه يحملانه، بَعْدُ، على ما سَبق له في الكتاب. هـ. قال ابن عطية : وذِكْرُ الأبوين إنما هو مثال للعوارض التي هي كثيرة. ثم قال : وقد فطر الله الخلق على الاعتراف بربوبيته، ومن لازم ذلك توحيده، وإن لم يُوَفِّقُوا لذلك كُلُّهم، بل وَحِّدَه بعضُهم، وأشرك بعضهم، مع اتفاق الكل على ربوبيته ؛ ضَرُورَة أن الكلَّ يشعر بقاهر له مدبر. قال في الحاشية : والحاصل : أنه تعالى فطر الكل في ابتداء النشأة، على الاعتراف بربوبيته، ولكن كتب منهم السعداء موحدين، وكتب الأشقياء مشركين، مع اعتراف الجميع بربوبيته، ولم يوفق الأشقياء لكون الربوبية تستلزم الوحدانية، فأشركوا، فناقضوا لازم قولهم. هـ.
وهذا معنى قوله تعالى :﴿التي فَطَرَ الناسَ عليها﴾، أي : خلقهم في أصل نشأتم عليها، ﴿لا تبديل لخق الله﴾ أي : ما ينبغي أن تبدل تلك الفطرة أو تُغير. وقال الزجاج : معناه : لا تبديل لدين الله، ويدل على قوله :﴿ذلك الدين القيم﴾ أي : المستقيم، ﴿ولكن أكثر الناسِ لا يعلمون﴾ حقيقة ذلك. حال كونكم.
٣٤٤
﴿مُنيبين إليه﴾ أي : راجعين إليه، فهو حال من ضمير : الزموا. وقوله :﴿واتقوه وأقيموا الصلاة﴾ : عطف على الزموا. أو : على (فأقم) ؛ لأن الأمر له - عليه الصلاة والسلام - أمرٌ لأمته، فكأنه قال : فأقيموا وجوهكم، منيبين إليه، ﴿واتقوه﴾ أي : خافوا عقوبته، ﴿وأقيموا الصلاة﴾ أي : أَتْقِنُوهَا وأدّوها في وقتها، ﴿ولا تكونوا من المشركين﴾ ؛ ممن يشرك به غيره في العبادة.


الصفحة التالية
Icon