﴿من الذين فرقوا دينهم﴾ : بدل من " المشركين " ؛ بإعادة الجار، أي : لا تكونوا من الذين جعلوا دينهم أدياناً مختلفة باختلاف ما يعبدونه ؛ لاختلاف أهوائهم. وقرأ الأَخَوَان :(فارقوا) أي : تركوا دين الإسلام الذي أُمروا به، ﴿وكانوا شِيَعاً﴾ أي : فرقاً، كل فرقة تشايع إمامها الذي أضلها، أي : تشيعه، وتقوي سواده، ﴿كل حزب﴾ منهم ﴿بما لديهم فرحون﴾ ؛ مسرورون، ظناً بأنه الحق، ثُم يبدوا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون. والعياذ بالله.
الإشارة : الفطرة التي فَطَر الله الأرواحَ عليها في معرفة العيان، لأنها كلها كانت عارفة بالله، لصفائها ولطافتها، فما عاقها عن تلك المعرفة إلا كَثَافَةُ الأبدان، والاشتغالُ بحظوظها وهواها، حتى نسيت تلك المعرفة. وفي ذلك يقول ابن البنا في مباحثه :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٤٣
وَلَمْ تَزَلْ كُلُّ نُفُوسٍ الأَحْيَا
لأمَةً دَرَّاكَةً للأَشْيَا
وَإِنَّمَا تَعُوقُهَا الأَبْدَانُ
وَالأَنْفُسُ النُّزَّعُ وَالشَّيْطَانُ
فَكُلُّ مَنْ أذاقهم جِهَادَهْ
أَظْهَرَ لِلْقَاعِدِ خَرْقَ الْعَادَهْ
قال بعضهم : إنما حجب الله عنها تلك العلوم ؛ غيرة أن تكشف سر الربوبية، فيظهر لغير أهله، قال القشيري :﴿فأَقِمْ وجْهَك﴾ أي : أَخِلْصْ قَصْدَك إلى الله، واحفَظْ عهدك معه، وأَفْرِدْ عملك، في سكناتِك وحركاتك وجميع تصرفاتِك، له. ﴿حنيفاً﴾ أي : مستقيماً في دينه، مائلاً عن غيره، مُعْرِضاً عن سواه. والزَمْ (فطرةَ الله التي فطر الناسَ عليها)، ثم ذكر ما تقدم لنا. ثم قال :﴿منيبين إليه﴾ ؛ راجعين إلى الله بالكلية، من غير أن تبقى بقية، متصفين بوفائه، منحرفين بكل وجهٍ عن خلافه، مُتَّقينٍ صغير الإثم وكبيره، وقليله وكثيره، مقيمين الصلاة بأركانها وسننها وآدابها ؛ جهراً، متحققين بمرعاة فضلها ؛ سِراً.


الصفحة التالية
Icon