يقول الحق جل جلاله :﴿أَوَلَمْ يروا أن الله يبسط الرزقَ لمن يشاءُ ويقدرُ﴾ أي : يضيق على من يشاء، فينبغي للعبد أن يكون راجياً ما عند الله، غير آيس من روح الله ؛ إذ دَوَامُ حَالٍ من قضايا المحال، ﴿إن في ذلك لآياتٍ لقوم يؤمنون﴾ ؛ فيستدلون بها على كمال قدرته وحكمته، ولا يقفون مع شيء دونه. قال النسفي : أنكر عليهم بأنهم قد علموا أنه القابض الباسط، فما لهم يقنطون من رحمته ؟ وما لهم لا يرجعون إليه، تائبين من معاصيهم، التي عوقبوا بالشدّة من أجلها، حتى يعيد عليهم رحمته ؟
ولما ذكر أنّ السيئة أصابتهم بما قدمت أيديهم، أتبعه ذكر ما يحب أن يفعل وما يجب أن يترك، يعني : عند البسط ؛ فقال :﴿فآت ذا القربى﴾ ؛ أعطِ قريبك ﴿حَقَّهُ﴾ من البر والصلة مما بسط عليك. ﴿و﴾ أعط ﴿المسكينَ وابنَ السبيل﴾ حقهما ؛ من الصدقة الواجبة أو التطوعية، حسبما تقتضيه مكارم الأخلاق. والخطاب لمن بسط عليه، أو : للنبي - عليه الصلاة والسلام، وغيره تبع. ﴿ذلك﴾ أي : إيتاء حقوقهم الواجبة، والتطوعية، ﴿خيرٌ للذين يُريدون وَجْهَ الله﴾ أي : ذاته المقدسة، أي : يقصدون، بمعروفهم، إياه، خالصاً. ﴿وأولئك هم المفلحون﴾ ؛ الفائزون بكل خير، قد حَصَّلوا، بما بسط لهم، النعيم المقيم.
﴿وما آتيتم من رباً ليربو في أموالِ الناس﴾ أي : وما أعطيتم من مال ؛ لتأخذوا من
٣٤٧
أموال الناس أكثر منه، كَيْفِيَّةً أو كَمِّيَّةً، ﴿فلا يربوا عند الله﴾ ؛ ولا يبارك فيه، بل يُسحته ويمحقه، ولو بعد حين. وهذه صورة الربا المحرمة، إجماعاً، وقيل : وما أعطيتم من هدية ؛ لتأخذوا أكثر منها، فلا يربو عند الله، لأنكم لم تقصدوا به وجه الله. وهذه ؛ هدية الثواب، جائزة، إلا في حقه - عليه الصلاة والسلام ؛ لقوله تعالى :﴿وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ﴾ [المدثر : ٦]. وقرأ ابن كثير :" أتيتم " ؛ بالقصر، بمعنى ما جئتم به من إعطاء ربا. وقرأ نافع :" لتُرْبُوا " بالخطاب، أي : لتصيروا ذَوِي ربا، فتزيدوا في أموالكم.


الصفحة التالية
Icon