قال الورتجبي : إن الله غلب الإنسانية على الكون ؛ طاعةً ومعصية، فإذا رزق الإنسان الطاعة صلح الأكوان ببركتها، وإذا رزق المعصية فسد الحدثان بشؤم معصيته ؛ لأن طاعته ومعصيته من تواثير لطفه وقهره، عَلاَ بنعت الاستيلاء على الوجود، فإذا فسادها يؤثر في بَرِّ النفوس وبحار القلوب، ففساد بَرَّ النفوس : فَتْرَتُهَا عن العبودية، وفساد بحر القلب :
٣٥٠
احتجابه عن مشاهدة أنوارالربوبية. هـ.
قلت : وقد يقال : ظهر الفساد في بر الشريعة ؛ بذهاب حَمَلَتِهَا، ومن يحفظها، ويذب عنها، وفي بحر الحقيقة ؛ بقلة صدق من يطلبها، وغربة أهلها، واختفائها حتى اندرست أعلامها، وخفي آثارُها، والبركة لا تنقطع. وذلك بسبب ما كسبت أيدي الناس ؛ من إيثار الدنيا على الله ؛ ليذيقهم وبال القطيعة، لعلهم يرجعون إليه، إما بملاطفة الإحسان، أو بسلاسل الامتحان.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٠
قال في لطائف المنن : سأل بعضُ العارفين عن أولياء العدد، هل ينقصون ؟ فقال : لو نقص منهم واحد ؛ ما أرسلت السماء قَطْرَهَا، ولا أنبتت الأرض نباتها، وفساد الوقت لا يكون بذهاب أعدادهم، ولا بنقص أمداداهم، ولكن إذا فسد الوقت كان مراد الله وقوع اختفائهم، مع وجود بقائهم. فإذا كان أهل الزمان مُعْرضين عن الله، مؤثرين لما سوى الله ؛ لا تنجح فيهم الموعظة، ولا تميلُهم التذكرة، لم يكونوا أهلاً لظهور أولياء الله تعالى فيهم، ولذلك قالوا : أولياء لله عرائس ولا يرى العرائسَ المجرمون. هـ.
قال القشيري :(قل سيروا) ؛ بالاعتبار، واطلبوا الحقَّ بنعت الافتكار، وانظروا : كيف كان حال من تقدمكم من الأشكال والأمثال ؟ وقيسوا عليها حُكْمَكم في جميع الأحوال، (كان أكثرهم مشركين) : كان أكثرهم عدداً، ولكن أقل في التحقيق ؛ وزناً وقَدْراً. هـ.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٠


الصفحة التالية
Icon