يقول الحق جل جلاله :﴿فأقمْ وجهَكَ﴾ أي : قوّمه وَوَجّهّه ﴿للدين القَيِّم﴾ ؛ البليغ في الاستقامة، الذي لا يتأتى فيه عوج ولا خلل. وفيه، من البديع، جناس الاشتقاق.
والخطاب للنبي ﷺ، وأمتُه تبع، أو : لكل سامع. ﴿من قبل أن يأتي يومٌ﴾ ؛ وهو البعث، ﴿لا مَرَدَّ له﴾ أي : لا يقدر أحد على رده، ﴿من الله﴾ : متعلّق بيأتي، اي : من قبل ان يأتي من الله يوم لا يردّه أحد، أو بمرد ؛ لأنه مصدر، أي : لا مرد له من جهة الله، بعد أن يجيء ؛ لتعلق الإرادة به حينئذٍ. ﴿يومئذ يَصَّدَّعُونَ﴾ ؛ يتصدّعون، فأدغم التاء في الصاد.
وفي الصحاح : الصدع : الشق، يقال صدعته فانصدع، أي : انشق. وتصدّع القوم : تفرقوا. هـ. أي : يفترقون ؛ فريق في الجنة وفريق في السعير.
ثم أشار إلى غِنَاهُ عنهم، فقال :﴿من كَفَرَ فعليه كفرُهُ﴾ ؛ وبال كفره، لا يحمله عنه غيره. ﴿ومن عمل صالحاً فلأنفسهم يَمْهَدُون﴾ أي : يسوون لأنفسهم في قبورهم، أو : في
٣٥١
الجنة ما يسوي لنفسه الذي يمهد فراشه ويُوطئه ؛ لئلا يصيبه في مَضْجَعِهِ ما ينغص عليه مَضْجَعَهُ. وتقديم الظرف في الموضعين ؛ للاختصاص، أي : فلا يجاوز عمل أحد لغيره.
ثم علل ما أمر به من التأهب، فقال :﴿ليجزيَ الذين آمنوا وعملوا الصاحات﴾، أظهر في موضع الإضمار، أي : ليجزيهم، ليدل عى أنه لا ينال هذا الجزاءَ الجميلَ إلا المؤمن، لصلاح عمله. أثابه ذلك ﴿من فضله﴾ أي : بِمَحْضِ تفضله، إذ لا يجب عليه شيء، ﴿إنه لا يُحب الكافرين﴾، بل يبغضهم ويمقتهم، وفيه إيماء إلى أنه يحب المؤمنين، وهو كذلك، ولا سيما المتوجهين.


الصفحة التالية
Icon