الإشارة : أمر الحق تعالى بالتوجه إليه، والتمسك بالطريق التي تُوصل إليه، قبل قيام الساعة ؛ لأن هذه الدار هي مزرعة لتلك الدار، فمن سار إليه هنا وعرفه ؛ عرفه في الآخرة، ومن قعد هنا مع هواه، حتى مات جاهلاً به، بُعِثَ كذلك، كما هو معلوم. ولا يمكن التوجه والظفر بالطريق الموصلة إليه تعالى إلا بشيخ كامل، سلك الطريق وعرفها. ومن رام الوصول بنفسه، أو بعلمه، أو بعقله ؛ انقطع لا محالة. قال القشيري :﴿فأقم وجهك للدين القيّم﴾ : أَخْلِص قصْدَك، وصِدْقَ عَزْمِكَ، بالموافقة للدين القيِّم، بالاتباع دون الاستبداد بالأمر على وجه الابتداع. ومَنْ لم يتأدب بمَنْ هو إمامُ وقته، ولم يتلقف الأذكار ممن هو لسان وقته، كان خُسْرانُه أتَمَّ من ربْحه، ونقصانُه أَعَمَّ من نفعه. هـ.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥١
قلت :(وليذيقكم) : عطف على (مبشرات) ؛ على المعنى، كأنه قيل : لتبشركم وليذيقكم، أو : على محذوف، أي : ليغيثكم وليذيقكم.
يقول الحق جل جلاله :﴿ومن آياته﴾ الدالة على كمال قدرته :﴿أن يُرسلَ الرياحَ﴾، وهي الجَنُوبُ، والصَّبا، والشمال والدَّبُورُ، فالثلاث : رياح الرحمة، والدبور : ريحُ العذاب، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام :" اللهم اجعلها رياحاً، ولا تجعلها ريحاً " وقال :" نُصرْتُ بالصِّبَا، وأُهْلِكتَ عادٌ بالدَّبُورُ "، وهي الريح العقيم. وقرأ ابن كثير والأَخَوان : بالإفراد، على إرادة الجنس.
ثم ذكر فوائد إرسالها بقوله :﴿مبشرات﴾ أي : أرسلها بالبشارة بالغيب ﴿وليُذِيقَكُم من رحمته﴾ ؛ ولإذاقة الرحمة، وهي نزول المطر، وحصول الخصب الذي يتبعه، والرّوح
٣٥٢
الذي مع هبوب الريح، وزكاء الأرض، أي : ربوها وزيادتها بالنبات، وغير ذلك من منافع الرياح والأمطار. قال الحسن : لو أمسك الله عن أهل الأرض الريح ساعة لَمَاتُوا ؛ غَمَّا.


الصفحة التالية
Icon