وهذه حال من مات قلبه، قال تعالى :﴿فإنك لا تُسمع الموتى﴾ أي : موتى القلوب، وهؤلاء في حكم الموتى ؛ فلا تطمع أن يقبلوا منك، ﴿ولا تُسمع الصمَّ الدعاءَ﴾ أي : لا تقدر أن تُسْمِعَ من كان كالأصم دعاءك إلى الله، او : لا يقدرون أن يسمعوا منك، ﴿إِذا ولوا مدبرين﴾، فإن قلت : الأصم لا يسمع ؛ مقبلاً أو مدبراً، فما فائدة التخصيص ؟ قلت : هو إذا كان مُقبلاً يفهم بالرمز والإشارة، فإذا ولّى فلا يفهم، ولا يسمع، فيتعذر إسماعه بالكلية. قاله النسفي.
﴿
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٥
وما أنت بهادِ العُمي﴾
أي : عُمْي القلوب. وقرأ حمزة :" ومات أنت تهدي العمي "، ﴿عن ضلالتهم﴾ أي : لا تقدر أن تهدي الأعمى عن طريقه إذا ضلّ عنه، بالإشارة إليه، ﴿إنْ﴾ ؛ ما ﴿تُسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون﴾ ؛ منقادون لأوامر الله ونواهيه.
٣٥٦
الإشارة : من أصول طريقة التصوف : الرجوع إلى الله في السراء والضراء، فالرجوع في السراء : بالحمد والشكر، وفي الضراء : بالرضا والصبر. قال القشيري :﴿فإنك لا تُسمع الموتى..﴾ إلخ : مَنْ فَقَدَ الحياةَ الأصلية ؛ لم يَعِشْ بالرُّقَى والتمائم، وإذا كان في السريرة طَرَشٌ عن سماء الحقائق، فَسَمْعُ الظواهر لا يفيد إلا تأكيد الحُجَّة، وكما لم يُسمع الصمّ الدعاء، فكذلك لا يمكنه أن يهدي العُمْيَ عن ضلالتهم. هـ.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٥
قلت :" الله " : مبتدأ، والموصول : خبره.
يقول الحق جل جلاله :﴿الله﴾ الذي يستحق ان يعبد وحده هو ﴿الذي خلقكم من ضَعْف﴾ أي : ابتدأكم ضُعفاء، وجعل الضعف أساس أمركم، أو : خلقكم من أصل ضعيف، وهو النطفة ؛ كقوله :﴿أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ﴾ [المرسلات : ٢٠]، ﴿ثم جعل من بعد ضعف قوةً﴾، يعني : حال الشباب إلى بلوغ الأشد، ﴿ثم جعل من بعد قوةٍ ضَعْفاً وشَيْبَةً﴾، يعني : حال الشيخوخة والهرم.


الصفحة التالية
Icon