وقد ورد في الشيب ما يسلي عن روعة هجومه فمن ذلك قوله ﷺ :" من شاب شيبة الإسلام ؛ كانت له نوراً يوم القيامة "، ولما رأى إبراهيم عليه السلام الشيب في لحيته قال : يارب، ما هذا ؟ قال : هذا وقار. وأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام :" يا داود، إني لأنظر الشيخ الكبير، مساء وصباحاً، فأقول له : عبدي، كَبِرَ سِنُّكَ، ورق جلدك، ووهن عظمك، وحان قدومك عليّ، فاستحي مني، فإني أستحيي أن أُعذب شَيْبَةًً بالنار ". ومن المُسْتَمْلَحَات، مما يسلي عن رَوْعِ الشيب، ما أنشد القائل :
لاَ يَرُوعُكِ الشِّيبُ يَا بِنْتَ
عَبْدِ الله، فالشَّيبُ حُلْة وَوَقاَرُ
إِنَّمَا تَحْسُنُ الرِّيَاضُ إِذَا مَـ
ـا ضَحِكَتْ في خِلاَلِهَا الأَزْهَارُ
ثم قال تعالى :﴿يخلق ما يشاء﴾ ؛ مِنْ ضعفٍ، وقوةٍ، وشباب، وشيبة، ﴿وهو العليمُ﴾ بأحوالهم، ﴿القديرُ﴾ على تدبيرهم ؛ فيصيرهم إلى ذلك. والترديد في الأحوال أبين دليل على وجود الصانع العليم القدير. وفي " الضعف " : لغتان ؛ الفتح والضم. وهو أقوى سنداً في القراءة، كما روي ابن عمر. قال : قرأتها على رسول الله ﷺ :" من ضَعف " فأقرأني :" من ضُعْفٍ ".
٣٥٧
الإشارة : إذا كُثف الحجاب على الروح، وكثرت همومها، أسرع لها الضعف والهرم، وإذا رقّ حجابها، وقلّت همومها ؛ قويت ونشطت بعْد هرمها، ولا شك أن توالي الهموم والأحزان يهرم، وتوالي البسط والفرح ينشط، ويرد الشباب من غير إِبَّانِهِ، والعارفون : فرحهم بالله دائم، وبسطهم لازم ؛ إذ لا تنزل بساحتهم الهموم والأحزان، وإنما تنزل بمن فقد الشهود والعيان، كما قال في الحكم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٧


الصفحة التالية
Icon