قال القشيري :﴿خلقكم من ضعف﴾، أي : ضعف عن حال الخاصة، ثم جعل من بعد ضعف قوة ؛ بالوصول إلى شهود الوجود القديم، ثم من بعد قوة ضعفاً ؛ بالرجوع إلى المسكنة أي : في حال البقاء، قال ﷺ :" اللهم أحيني مسكيناً، وأمتني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين " هـ.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٧
قلت :" لبثوا " : جواب القسم ؛ على المعنى، وإلا لقيل : ما لبثنا.
يقول الحق جل جلاله :﴿ويوم تقوم الساعةُ﴾، أي : القيامة. وسميت بذلك ؛ لأنها تقوم آخر ساعة من ساعات الدنيا، ولأنها تقوم في ساعة واحدة، وصارت عَلَماً لها بالغلبة، كالنجم للثريا، فإذا قامت ﴿يُقسم المجرمون﴾ ؛ يحلف الكافرون :﴿ما لبثوا﴾ في قبورهم، أو : في الدنيا، ﴿غيرَ ساعة﴾، استقلّوا مدّة لبثهم في القبور، أو : الدنيا، لشدة هول المطلع، أو : لطول مقامهم في أهوالها، أو : ينسون ما لبثوا، أو : يكذبون. ﴿كذلك كانوا يُؤفكون﴾، أي : مثل ذلك الصرف كانوا يصرفون في الدنيا عن الصدق والتصديق، أو : عن الحق حتى يروا الأشياء على غير ما هي عليه، ويقولون : ما هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين.
﴿وقال الذين أُوثوا العلم والإيمان﴾، أي : حَصَّلوا العلم بالله والإيمان بالبَعْثِ وهم الملائكة والأنبياء، والمؤمنون :﴿لقد لبثتمْ في كتاب الله﴾ ؛ في علم الله المثبت في اللوح، أو : في حكم الله وقضائه، أو : القرآن، وهو قوله تعالى :" ومن ورائهم برزخ.. " إلخ، أي : لقد مكثتم مُدَّةَ البرزخ ﴿إلى يوم البعث﴾، ردّوا عليهم ما قالوه، وحلَّفُوهم عليه، وأطلعوهم على حقيقة الأَمر، ثم وَبَّخُوهُمْ على إنكار البعث بقولهم :﴿فهذا يَوْمُ
٣٥٨
البعث﴾
الذي كنتم تنكرونه، ﴿ولكنكم كنتم لا تعلمون﴾ في الدنيا أنه حق ؛ لتفريطكم في طلب الحق، واتباعه. والفاء جواب شرط مقدر، ينساق إليه الكلام، أي : إن كنتم منكرين للبعث ؛ فهذا يومه.


الصفحة التالية
Icon