﴿فيومئذٍ لا تنفع الذين ظلموا﴾ كفروا ﴿مَعْذِرَتُهُم﴾ : اعتذارهم، والمعذرة : تأنيثها مجازي، فيجوز التذكير والتأنيث، ﴿ولا هم يُسْتَعْتَبُونَ﴾ أي : لا يقال لهم : أَرْضُوا رَبَّكُمْ بالتوبة، ولا يُدْعَوْنَ إلى استرضائه، يقال : استعتبني فلان فأعْتَبْتُهُ، أي : استرضاني فأرضيته.
الإشارة : كل من قصر في هذه الدار، وصرف أيام عمره في البطالة، يقصر عليه الزمان عند موته، ويرجع عنده كأنه يوم واحد، فحينئذٍ يستعتب ؛ فلا يُعتب، ويطلب الرجعى ؛ فلا يُجاب، فلا تسأل عن حسرته وخسارته، والعياذ بالله، وهذا كله مبين في القرآن.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٨
يقول الحق جل جلاله :﴿ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مَثَلٍ﴾ أي : بيَّنا لهم فيه من كل مثل، ينبؤهم عن التوحيد والمعاد، وصدق الرسل، وغير ذلك، مما يحتاجون إلى بيانه، ﴿ولئن جئْتَهم بآيةٍ﴾ من الآيات الدالة على صدقك، أو : القرآن. ﴿ليقُولَنَّ الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون﴾ ؛ مزورون. وإسناد الإبطال إلى الجميع، مع أن المجيء بالحق واحد ؛ مراعاة لمن شايعه معه من المؤمنين، أو : ولقد وصفنا كلّ صفة، كأنها مثل ؛ في غرابتها، وقصصنا عليهم كل قصة عجيبة الشأن كقصة المبعوثين يقوم القيامة. وما يقولون، وما يُقال لهم، وما لا ينفع من اعتذارهم، ولا يُسمع من استعتابهم، ولكنهم ؛ لقسوة قلوبهم، إذا جِئْتَهُمْ بآية من آيات القرآن، قالوا : جئتنا بزور باطل. ﴿كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون﴾، أي : مثل ذلك الطبع - وهو الختم - يطبع الله على قلوب الجهلة ؛ الذين عِلَمَ اللهُ منهم اختيارَ الضلال، حتى سمّوا المحققين مبطلين، وهم أغرقُ خلق الله في تلك الصفة.


الصفحة التالية
Icon