ثم وصف كتابه بأنه هاد للسائرين، رحمة للواصلين ؛ إذ لاتكمل الرحمة إلا بشهود الحبيب، يكلمك ويناجيك، وهذه حالة أهل مقام الإحسان. قال القشيري : وشَرْطُ المحْسِنِ أن يكون محسناً إلى عباد الله : دانيهم وقاصيهم، مطيعِهم وعاصيهم. ثم قال :﴿الذين يُقيمون الصلاة﴾ ؛ يأتون بشرائطها في الظاهر - ثم ذكرها -، وفي الباطن يأتون بشروطها ؛ من طهارة السَّرَّ عن العلائق، وسَتْرِ عورة الباطن، بتنقيته من العيوب ؛ لأن ما كان فيه فالله يراه. فإذا أرَدْتَ أن لا يرى اللهُ عيوبَك فاحْذَرْها حتى لا تكون. والوقوف على مكان طاهر : هو وقوف القلب على الحدِّ الذي أُذن فيه، مما لا يكون فيه دعوى بلا تحقيق، بل رَحِمَ الله مَن وقف عند حدِّه بالمعرفة بالوقت، فيعلم وقت التذلُّل والاستكانة، ويميز بينه وبين وقت السرور والبسط، ويستقبل القبلة بَنْفسِه، ويعلق قلبه بالله، من غير تخصيص بقطْرِِ أو مكان ﴿أولئك على هدى من ربهم﴾ ؛ وهم الذين اهتدوا في الدنيا، وسَلِموا ونَجوْا في العُقْبَى. هـ.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٦١
يقول الحق جل جلاله :﴿ومن الناس من يشتري لَهْوَ الحديث﴾ أي : ما يلهى به عما يقرب إلى الله ؛ كالأحاديث التي لا أصل لها، والخرافات التي لا حقيقة لها، والمضاحك، وفضول الكلام. قيل : نزلت في النَّضر بن الحارث، كان يخرج إلى فارس للتجارة، فيشتري أخبار الأعاجم، ثم يُحدث قريشاً بها، ويقول : إن محمداً يُحدثكم بأخبار عاد وثمود، وأنا أحدثكم بحديث رُسْتُم، وأخبار الأكاسرة، فيستملحُون حديثه ولا يسمعون القرآن.
٣٦٢
وقيل : كان يشتري القيان، ويحملهن على معاشرة من أراد الإسلام ؛ ليصده عنه.


الصفحة التالية
Icon