الإشارة : لهو الحديث هو كل ما يشغل عن الله، ويصد عن حضرة الله، كائناً ما كان، سواء كان غناء أو غيره، وإذا كان الغناء يهيج لذكر الله، ويحرك الروح إلى حضرة الله، كان حقاً، وإذا كان يحرك إلى الهوى النفساني كان باطلاً. والحاصل : أن السماع عند الصوفية ركن من أركان الطريقة، بشروط الثلاثة : الزمان والمكان والإخوان. وقد ألف الغزالي تأليفاً في تكفير من أطلق تحريم السماع. وقال في الإحياء، في جملة من احتج به المُحَرِّمُ للسماع : احتج بقوله تعالى :﴿ومن الناس من يشتري لَهْوَ الحديث﴾، وقد قال ابن مسعود والنخَعي والحسن : إنه الغناء. وأجاب ما حاصله : أنه إنما يحرم إذا كان استبدالاً بالدين، وليس كل غناء بدلاً عن الدين، مُشْتَرَىً به، ومضلاً عن سبيل الله، ولو قرأ القرآن ليضل عن سبيل الله كان حراماً. كما حكي عن بعض المنافقين ؛ أنه كان يؤم الناس ولا يقرأ إلا بسورة عبس، لما فيها من العتاب مع رسول الله ﷺ، فهَمَّ عمرُ بقتله. فالإضلال بالشعر والغناء أولى بالتحريم. هـ. وأما إن لم يكن شيء من ذلك، فلا يحرم.
وقال في القوت، في كتاب المحبة : ولم يزل الحجازيون، عندنا بمكة، يسمعون السماع في أفضل أيام السنة، وهي الأيام المعدودات، التي أمر الله عز وجل عبادَه فيها بذكره، أيام التشريق، من وقت عطاء بن أبي رباح، إلى وقتنا هذا، ما أنكره عالم، وكان لعطاء جاريتان تُلَحِّنانِ، فكان إخوانه يستمعون إليهما، ولم يزل أهل المدينة مواطئين لأهل مكة على السماع إلى زماننا هذا. وأدركنا أبا مروان القاضي، له جوار يسمعن التلحين، قد أعدهن للطوافين. فكان يجمعهن لهم، ويأمرهن بالإنشاد، وكان فاضلاً. وسئل شيخنا أبو الحسن بن سالم، فقيل له : إنك تنكر السماع، وقد كان الجنيد وسري السقطي وذو النون يسمعون ؟ فقال : كيف أنكر السماع وقد أجازه وسمعه من هو خير مني. هـ.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٦٢


الصفحة التالية
Icon