وقال ابن ليون التجيبي في الإنالة : رُوي عن مصعب بن الزبير، قال حضرت مجلس مالك، فسأله أبو مصعب عن السماع، فقال : ما أدري، إلا أن أهل العلم ببلدنا لا ينكرون ذلك، ولا يقعدون عنه، ولا ينكره إلا غبي جاهل، أو ناسك عراقي غليظ الطبع. قال التجيبي : وعن أنس ؛ كنا عند النبي ﷺ، إذ نزل عليه جبريل، فقال : يا رسول الله فقراء أمتك يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام، وهو نصف يوم، ففرح فقال : أفيكم من ينشدنا ؟ فقال بدوي : نعم، يارسول الله، فقال : هات، هات، فأنشد البدوي يقول :
٣٦٤
قَدْ لَسَعَتْ حَيَّةُ الهَوى كَبِدِي
فَلاَ طَبِيبٌ لَهُ وَلاَ رَاقِي
إلاَّ الحَبِيبُ الَّذِي شُغِفْتُ بِهِ
فَعِنْدَهُ رُقْيَتِي وتِرْيَا قِي
فتواجد عليه السلام، وتواجد أصحابه معه، حتى سقط رداؤه عن مَنْكِبَيْهِ، فلما خرجوا، أوى كل واحد إلى مكانه، فقال معاوية : ما أحسن لَعِبَكُمْ يا رسول الله! فقال :" مَهْ، مَهْ، يا معاوية، ليس بكريم من لم يهتز عند ذكر الحبيب، " ثم اقتسم رداءه من حضرهم بأربعمائة قطعة. وذكر المقدسي هكذا، والسهروردي في عوارفه، وتكلم الناس في هذا الحديث.
وقد تخلف الحسن البصري ذات يوم عن أصحابه، وسئل عن تخلفه، فقال : كان في جيراننا سماع. وقال الشبلي : السماع ظاهرة فتنة، وباطنه عبرة. فمن عرف الإشارة حلَّ له سماع العبرة، وإلا فقد استدعى الفتنة. هـ. والله تعالى أعلم.
قوله تعالى :﴿وإذا تُتلى عليه...﴾ إلخ، هذا مثال لمن يَقبل الوعظ ؛ لقسوة قلبه وحُكم المشيئة يُبعده، فلا يزيده كثرة الوعظ إلا نفورً، فسماعه كلا سماع، ومعالجته عنىً وضياع، كما قال القائل :
إذَا أَنَا عَاتبتُ المُلولَ ؛ فإِنَّمَا
أخُط بأفلك على الماء أَحرُفَا
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٦٢