ثم أمر بالتفكر في هذه المصنوعات ؛ استدلالاً على توحيده بقوله :﴿هذا خلقُ الله﴾ أي : هذا الذي تُعاينونه من جملة مخلوقاته، ﴿فأَرُوني ماذا خلقَ الذين من دونه﴾، يعني : آلهتهم. بكَّتهم بأن هذه الأشياء العظيمة مما خلق الله، فأروني ماذا خلق آلهتكم حتى استوحبوا عندكم العبادة ؟ ﴿بل الظالمون في ضلال مبين﴾، أضرب عن تبكيتهم ؛ إلى التسجيل عليهم بالظلم والتورط في ضلال ليس بعده ضلال.
الإشارة : خلق سموات الأرواح - وهو عالم الملكوت - مرفوعاً غنياً عن الاحتياج إلى شيء، وألقى في أرض النفوس - وهو عالم الأشباح - من العقول الراسخة، لئلا تميل إلى جهة الانحراف، إما إلى الحقيقة المحضة، أو الشريعة. ونشر في أرض النفوس دواب الخواطَر والوساوس، وأنبتنا فيها من علوم الحكمة والقدرة، من كل صنف بهيج قال القشيري :﴿وألقى في الأرض رواسي﴾ ؛ في الظاهر : الجبال، وفي الحقيقة : الأبدال، الذين هم أوتاد، بهم يقيهم، وبهم يَصرِف عن قريبهم وقاصيهم، ﴿وأنزلنا من السماء ماء..﴾ ؛ المطر من سماء الظاهر في رياض الخُضْرَةَ، ومن سماء الباطن في رياض أهل الدنوِّ والحَضْرَة. هذا خلق الله العزيز في كبريائه، فأروني ماذا خَلَقَ الذين عَبَدْتم من دونه في أرضه وسمائه ؟ هـ.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٦٥
٣٦٦
قلت :(يا بُني) ؛ فيه ثلاث قراءات ؛ كسر الياء، وفتحها ؛ مُشَدَّدةً، وإسكانها. وقد تتبعنا توجيهاتها في كتابنا " الدرر الناثرة فيه توجيه القراءات المتواترة ".