قال البيضاوي : والحكمة، في عرف العلماء : استكمال النفس الإنسانية ؛ باقتباس العلوم النظرية واكتساب الْمَلَكَةِ التامة على الأفعال الفاضلة على قدر طاقتها. ومن حكمته أنه صحب داود شهوراً، وكان يسرد الدرع، فلم يسأله عنها، فلما أتمها لبسها، فقال : نِعْمَ لبوسُ الحرب أنتِ، فقال : الصمت حكمة وقليل فاعله، وأن داود قال له يوماً : كيف أصبحت ؟ فقال : أصبحت في يَدَيْ غيري. وأنه أمر لقمان بأن يذبح شاة ويأتيه بأطيب مُضْغَتين منها، فأتى باللسان والقلب، ثم بعد أيام أمر بأن يأتي بأخبث مضغتين منها، فأتى بهما أيضاً، فسأله عن ذلك، فقال : هما أطيب شيء ؛ إذا طابا، وأخبث شيء ؛ إذا خبثا. والذي عند الثعلبي : أن الآمر له بإتيان المضغتين سيدهُ، لا داود عليه السلام قيل له : بِمَ نلت هذه الحكم، وقد كنت راعياً ؟ فقال بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وترك ما لا يعنيني. هـ.
قال ﷺ :" أول ما رؤى من حكمة لقمان : أن مولاه أطال الجلوس في المخرج، فناداه لقمان : إن الجلوس على الحاجة ينخلع منه الكبد، ويورث الباسور، ويُصعد الحرارة إلى الرأس، فاجلس هويناً، وقم هويناً " وروي أنه قَدِمَ من سفر، فقيل له : مات أبوك، فقال : الحمد لله، ملكتُ أمري، فقيل له : ماتت امرأتك، فقال : الحمد لله ؛ جُدِّدَ فراشي، فقيل له : ماتت أختك، فقال : سُترت عورتي، فقيل له : مات أخوك، فقال : انقطع ظهري. هـ.
و " أَنْ " - في قوله :﴿أن أشكر﴾ : مفسرة ؛ لأنَّ إيتاء الحكمة في معنى القول، أي : وقلنا له اشكر الله على ما أعطاك من الحكمة، وفيه تنبيه على أن الحكمة الأصلية والعلم الحقيقي هو العمل بهما، وعبادةُ الله والشكر له، حيث فسر الحكمة بالحث على الشكر. وقيل : لا يكون الرجل حكيماً حتى يكون حليماً في قوله وفعله ومعاشرته وصُحبته.