ثم قال في قوله :﴿لا تُشرك بالله﴾ : الشركُ على ضربين : جَليّ وخفيّ، فالجليُّ ؛ عبادة الأصنام، والخفيّ : حسبان شيء من الحدثان من الأنام - أي : أن تظن شيئاً مما يحدث في الوجود أنه من الأنام - ويقال : الشرك : إثباتُ غَيْنٍ مع شهود العين، ويقال : الشرك ظلمٌ عَلَى القلب، والمعاصي ظلمٌ على النفس، فظلم النفس مُعَرَّضٌ للغفران، وظلم القلب لا سبيل للغفران إليه. هـ.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٦٦
قلت : الجملتان معترضتان بين أجزاء توصية لقمان لابنه. و(وَهْناً) : حال من (أمه)، أي : حملته حال كونها ذَاتَ وَهْنٍ، أو من الضمير المنصوب، أي : حملته نُطْفَةً، ثم علقة... إلخ، أو مصدر، أي : تهن وهناً.
يقول الحق جل جلاله :﴿ووصينا الإنسانَ بوالديه﴾ ؛ أن يَبَرَّهُمَا ويُطِيعَهُمَا، ثم ذكر الحامل على البر فقال :﴿حَمَلَتْهُ أُمُّه وَهْناً على وَهْنٍ﴾ أي : تضعف ضعفاً فوق ضعف، أي : يتزايد ضعفها ويتضاعف ؛ لأن الحمل، كلما ازداد وعظم، ازدادت ثِقلاً. ﴿وفِصَالهُ في عامين﴾ أي : فطامه لتمام عامين. وهذا أيضاً مما يهيج الولد على بر والديه، فيتذكر مَرْقده في بطن أمه، وتعبَها معه في مدة حَمْلِةِ، ثم ما قاست من وجع الطلق عند خروجه، ثم ما عالجته في أيام رضاعه ؛ من تربيته، وغسل ثيابه، وسهر الليل في بكائه، إلى غير ذلك.
﴿أن اشكر لي ولوالديك﴾، هو تفسير لِوَصَّينَا، أو على حذف الجار، أي : وصيناه
٣٦٩
بشكرنا وبشكر والديه. وقوله :﴿حملته أمه..﴾ إلخ : اعتراض بين المفسَّر والمفسِّر، لأنه لَمَّا وصى بالوالدين، ذكر ما تُكابده وتُعاينه من المشاق في حمله وفصاله، هذه المدة الطويلة ؛ تذكيراً لحقها، مفرداً.


الصفحة التالية
Icon