جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٧١
ولا تُصَعِّر خَدكَ للناس} أي : تُمله عنهم، ولا تولهم صفَحة خدك، كما يفعله المتكبرون. والتصعير : داء يصيب العير، فيلوى عُنُقَهُ منه. والمعنى : أَقْبِل على الناس بوجهك ؛ تواضعاً، ولا تُولهم شق وجهك وصفحته ؛ ﴿ولا تمشِ في الأرض مرحاً﴾ ؛ خُيَلاَءَ ؛ متبختراً، فهو مصدر في موضع الحال، أي : مَرِحاً، أو تمرح مرحاً، أو : لأجل المرح، ﴿إن الله لا يحب كل مختالٍ فخورٍ﴾، علة النهي. والمختال هو المرِحُ الذي يمشي خيلاء، والفخور هو المُصَعِّرُ خَدَّهُ ؛ تكبراً. وتأخير الفخور، مع تقدمه ؛ لرؤوس الآي.
﴿واقصِدْ في مشيك﴾ ؛ توسط فيه بين الدبيب والإسراع، فلا تدب دبيب المتماوتين، ولا تثب وثوب الشطارين، قال عليه الصلاة والسلام :" إنَّ سُرْعَةَ المَشي
٣٧٢
تُذْهِبُ بَهَاءِ المُؤْمِنِ " وأما قول عائشة ـ رضي الله عنها :(كان إذا مَشَى أسْرَع) ؛ فإنما أرادت السرعة المرتفعة عن دبيب التماوت. وعن ابن مسعود رضي الله عنه : كانوا ينهون عن خَبَبِ اليهود ودبيب النصارى، ولكن مشياً بين ذلك. وقيل :﴿واقصد في مشيك﴾ : انظر موضع قدميك، أو : اقصد : تَوَسَّطْ بين العلو والتقصير.
﴿واغضض من صوتك﴾ ؛ وانقص منه، أي : اخفض صوتك. كانت العرب تفخر بمجاهرة الصوت، فنهى الله عن خُلُق الجاهلية، فذكره لوصية لقمان، وأنه لو كان شيء يُهَابْ، لرفع صوته لكان الحمار، فجعلهم في المثل سواء. وهو قوله :﴿إِن أنكَرَ الأصواتِ﴾ ؛ أوحشها وأقبحها ﴿لصوتُ الحمير﴾ ؛ لأن أوله زفير، وآخره شهيق، كصوت أهل النار. وعن الثوري : صياح كل شيء تسبيح إلا الحمار، فإنه يصيح لرؤية الشيطان، وقد سماه الله منكراً، وفي تشبيه الرافعين أصواتهم بالحمير ؛ تنبيه على أن رفع الصوت في غاية البشاعة، ويؤيده : ما رُوِيَ أنه : عليه الصلاة والسلام - كان يعجبه أن يكون الرجل خفيض الصوت، ويكره أن يكون مجهور الصوت.


الصفحة التالية
Icon