قلت : قال في الحاشية : لّمَّا ذكر حال الكافر المجادل ذكر حال المسلم، وعدّاه هنا بإلى، وفي قوله :﴿بَلَىا مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ﴾ [البقرة : ١١٢]، باللام ؛ لأنه لَمَّا كان المجادل غير مُعين، ولم يخص له واحداً بعينه، عقَّبه بحال من حصل منه مطلق الاستسلام، ومَدْحُهُ يتناول مَدْحَ مَنِ اتصف بأخص الاستسلام. أو : في الآية الأخرى أتى به خاصاً، لما رتب عليه من الثواب الجزيل بقوله :﴿فله أجره...﴾ إلخ، الذي لم يذكر هنا إلا بعضه، فإن اللام تقتضي الاختصاص والقصد إلى الشيء، و " إلى " : لا تقتضي ذلك. انظر ابن عرفة.
وقال النسفي : عدّاه هنا بإلى وهناك باللام ؛ لأن معناه، مع اللام : أنه جعل وجهه - وهو ذاته ونفسه - سالماً لله، أي : خالصاً له، ومعناه، مع " إلى " : أنه سلّم نفسه كما يُسلم المتاع إلى الرجل، إذا دفع إليه. والمراد : التوكل عليه والتفويض إليه. هـ. أي : فهو أبلغ من اللام، ومثله البيضاوي.
يقول الحق جل جلاله :﴿ومن يُسْلِمْ وَجْهَه إلى الله﴾ أي : ينقد إليه بكليته، وينقطع إليه بجميع شراشره، بأن فوض أمره إليه، وأقبل بكُلِّيَّتِهِ عليه، ﴿وهو محسن﴾ في أعماله. قال القشيري : من أَسْلَمَ نَفْسُه، وأخلص في الله قَصْدَهُ، فقد استمسك بالعروة الوثقى. هـ. فالاستسلام قد يكون بغير إخلاص، فلذلك قال :﴿وهو محسن﴾. قاله المحشي. وقلت : وفيه نظر ؛ فإن الحق تعالى إنما عبَّر بالإسلام لا بالاستسلام، وإنما المعنى : أسلم وجهه في الباطن، وهو محسن بالعمل في الظاهر، ﴿فقد استمسك بالعُرْوَةِ الوُثْقَى﴾، أي : تعلق بأوثق ما يتعلق به ؛ فالعروة : ما يستمسك به. والوثقى : تأنيث الأوثق. مثّلَ حال المسلم المتوكل بحال من أراد أن يَتَدَلَّى من شاهق جبل، فاحتاط لنفسه، بأن استمسك بأوثق عروة من حبل متين، مأمونٍ انقطاعُهُ. قال الهروي : أي : تمسك بالعقد الوثيق. وقال الأزهري :
٣٧٦


الصفحة التالية
Icon