الإشارة : ومن يَنْقَدْ بكليته إلى مولاه، وغاب عن كل ما سواه، وهو من أهل مقام الإحسان، بأن أشرقت عليه شمس العيان، فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها أبداً. ومن أمارات الانقياد : ترك التدبير والاختيار، والرضا والتسليم لكل ما يبرز من عنصر الاقتدار، وترك الشكوى بأحكام الواحد القهار. ﴿وإلى الله عاقبة الأمور﴾ ؛ فيوصل من يشاء برحمته، ويقطع من يشاء بعدله. ومن يجحد طريق الخصوص من أهل زمانه ؛ فلا يحزنك، أيها العارف، فعله، إلينا إيابهم، وعلينا حسابهم، فَسَنُمَتَّعهُمْ بحظوظهم، والوقوف مع عوائدهم، زماناً قليلاً، ثم نضطرهم إلى غم الحجاب وسوء الحساب. والعياذ بالله.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٧٦
يقول الحق جل جلاله :﴿ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولُنَّ الله﴾ ؛ لوضوح الدليل المانع من إسناد الخلق إلى غيره، فيضطرون إلى الإقرار بذلك، ﴿قل الحمدُ لله﴾ على إلزامهم وإلجائهم إلى الاعتراف بما يوجب بطلان معتقدهم من شرك الأصنام، ﴿بل أكثرهم لا يعلمون﴾ إن ذلك يلزمهم إذا نبهوا عليه، ولم ينتبهوا، فالإضراب عن كلام محذوف، أي : فيجب عليهم أن يعبدوا الله وحده، لمّا اعترفوا،
٣٧٧
ولكنهم لا يعلمون، ﴿لله ما في السماوات والأرض﴾ ملكاً وعبيداً، ﴿إنَّ الله هو الغنيُّ الحميدُ﴾، أي : الغني عن حمد الحامدين، المستحق للحمد وإن لم يحمدوه.
الإشارة : قد اتفقت الملل على وجود الصانع. ثم وقفت العقول في مقام الحيرة والاستدلال، وامتدت الأرواح والأسرار بأعناقها إلى معرفة الذات وشهودها، فمن وَجَدَتْ عارفاً كاملاً سلك بها الطريق، حتى أوقعها على عين التحقيق، فأشرفت على البحر الزاخر، فغرقت في بحر الذات وتيار الصفات، ثم رجعت إلى بر الشريعة لتدل غيرها على الوصول. وقل الحمد لله أَنْ وَجَدْتَ من يعرفك بالله، وأكثر الخلق حائدون عن العلم بالله.


الصفحة التالية
Icon