جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٧٧
قلت :(ولو أنما في الأرض) : مذهب الكوفيين وجماعة : أن ما بَعد " لو " : فاعل بفعل محذوف، أي : ولو ثبت كون ما في الأرض.. إلخ. ومذهب سيبويه : أنه مبتدأ، أي : ولو كون ما في الأرض واقع، و(البحر) : مبتدأ، و(يمده) : خبره، أي : يمد ما ذكر من الأقلام. و(من بعده سبعةُ أبحر) : مبتدأ وخبر. وحذف التمييز، أي :(مداداً)، يدل عليه (يمده)، أو (سبعة) : فاعل (يمده)، أي : يصب فيه سبعةُ أبحر، والجملة : حال، أي : ولو أن الأشجار أقلام، في حال كون البحر ممدوداً، ما نفذت... إلخ. وجملة (يمده) : خبر (البحر). ومن قرأ بالنصب فعطف على اسم " إن "، وهو (ما).
يقول الحق جل جلاله :﴿ولو أنّ ما في الأرض من شجرة﴾ من الأشجار ﴿أقلام﴾، والبحر يمد تلك الأقلام، يصب في ذلك البحر ﴿سبعةُ أبحر﴾، وتلك الأقلام كلها تكتب كلمات الله الدالة على عظمته وكمالاته، ﴿ما نَفِدَتْ﴾ كلماته، ونفدت الأقلام، وجفت تلك الأبحر، وهذا كقوله :﴿قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي﴾ [الكهف : ١٠٩] مع زيادة المبالغة بذكر السبعة أبحر، يقال : مد الدواة وأمدها : جعل فيها مداداً، فجعل البحر الأعظم بمنزلة الدواة، والأبحر السبعة مدادها، وفروع الأشجار كلها أقلام تكتب كلماته تعالى، فلو قدر ذلك لتكسرت الأقلام وجفت الأبحر، قبل ان تنفد كلماته تعالى ؛ لأنها تابعة لعلمه، وعلمه لا نهاية له.
وإنما وحدَّ الشجرة ؛ لأن المراد تفصيل الشجر وتقَصِيها ؛ شجرة شجرة، حتى ما يبقى من جنس الشجر، ولا واحدة إلا وقد بُريت أقلاماً. وأوثر الكلمات، وهي من حيز
٣٧٨
جمع القلة، على الكَلِم، الذي هو جمع الكثرة ؛ لأن المعنى : أن كلماته لا يفي بها الأقلام ؛ فكيف بكلامه الكَثير ؟.


الصفحة التالية
Icon