الإشارة : أوصاف الباري سبحانه كلها كاملة، غير محصورة ولا متناهية ؛ من علم، وقدرةٍ، وإرادة، وكلام، وغيرها. وأوصاف العبد كلها قصيرة متناهية، وقد يمد الحقُّ عبده بصفة من صفاته التي لا تتناهى، فإذا أمده بصفة الكلام تكلم بكلام تعجز عنه العقول، لا يقدر على إمساكه، فلو بقي يتكلم عمرَه كله ما نفد كلامه، حتى يُسكته الحق تعالى. وقد كان بعض السادات يقول لأصحابه، حين يتكلم عليهم : إني لأستفيد من نفسي كما تستفيدون أنتم مني، وذلك حين الفيض الإلهي. وإذا أمده بصفة القدرة، قدر على كل شيء، وإذا أمده صفة السمع ؛ سمع كل شيء، وإذا أمده بصفة البصر، أبصر كل موجود... وهكذا. وهذه الأوصاف كامنة في العبد من حيث معناه، احتجبت بظهور أضدادها ؛ صوناً لسِّر الربوبية. والله تعالى أعلم.
٣٧٩
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٧٨
يقول الحق جل جلاله :﴿ألم تَرَ أن الله يُولج الليلَ في النهارِ﴾ ؛ يُدخل ظلمة الليل في وضوء النهار، إذا أقبل الليل، ﴿ويُولج النهارَ في الليل﴾ ؛ يُدخل ضوء النهار في ظلمة الليل، إذا أقبل النهار. أو : بإدخال جزء أحدهما في الآخر ؛ بزيادة الليل أو النهار. ﴿وسخَّر الشمسَ والقمرَ﴾ لمنافع العباد، ﴿كلٌّ﴾، أي : كل واحد من الشمس والقمر ﴿يجري﴾ في فلكه، ويقطعه، ﴿إلى أجل مُسَمّى﴾ ؛ إلى يوم القيامة : أو : إلى وقت معلوم للشمس، وهو تمام السنة، والقمر إلى آخر الشهر. ﴿وإن الله بما تعملون خبير﴾ ؛ عالم بكنهه، لا يخفى عليه شيء. فدل، بتعاقب الليل والنهار، أو بزيادتهما ونقصانهما، وَجَرْي النيرين في فلكهما، على تقدير وحساب معلوم، وبإحاطته جميع أعمال الخلق، على عظيم قدرته، وكمال علمه وحكمته.