وقال في آية أخرى :﴿خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [المعارج : ٤]. وهكذا الوجود مَنْ علوه إلى سفله، مِنْ الملائكة من يقطعه في مدةٍ ما، ويقطعه غيره في أكثر منها أو أقل. هـ. وقيل : المعنى : أنه يدبر أمر الدنيا إلى أن تقوم الساعة، ثم يعرج إليه ذلك الأمر، فيحكم فيه في يوم كان مقداره ألف سنة، أو خمسين ألف سنة. فقد قيل : إن مواقف يوم القيامة خمسون موقفاً، كل موقف ألف سنة. وقد حكى هذا ابن عطية، فقال : يُدبر الأمر في مدة الدنيا، ثم يعرج إليه يوم القيامة. ويوم القيامة : مقداره ألف سنة ؛ من عَدِّنا. وهو على الكفار قدر خمسين ألف سنة ؛ لِهوله، حسبما في سورة المعارج. هـ.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٨٦
قلت : والتحقيق، في الفرق بين الآيتين، أن الحق تعالى، حيث لم يختص بمكان دون مكان، وكانت الأمكنة في حقه تعالى كلها واحدة، وهو موجود معها وفيها بعلمه وأسرار ذاته، كان العروج إنما هو إليه على كل حال، بعدت المسافة أو قربت. لكن لما علقَ العروج بتدبير الأمور وتنفيذها، قرّب المسافة ؛ ليعلم العبد أن القضاء نافذ فيه بسرعة. ولمَّا عَلَّقَ عروج الملائكة والروح إلى مطلق الذات المقدسة بَعَّدَ المسافة ؛ زيادة في علو شأنه ورفعة قدره. وكل هذا العروج في دار الدنيا. على قول من عَلَّقَ (في يوم) بتَعْرج في سورة المعارج. فتأمله.
﴿ذلك عالمُ الغيب والشهادة﴾، أي : ذلك الموصوف بتلك الصفات العظام هو عالم ما غاب عن الأبصار من عجائب أسرار عالم الملكوت، وما شوهد في عالم الحس من عجائب عالم الملك. ﴿العزيزُ﴾ ؛ الغالب أمره وتدبيره، ﴿الرحيم﴾ ؛ البالغ لطفُه وتيسيره.