﴿ولو شئنا لآتَيْنَا كلَّ نفسٍ هُداها﴾ أي : ما تهتدي به إلى الإيمان والطاعة، أي : لو شئنا لأعطيناه في الدنيا، كل نفس ما عندنا من اللُطف الذي، لو كان منهم اختيارُ ذلك،
٣٩٠
لاهتدوا. لكن لم نعطهم ذلك اللطف ؛ لِمَا علمنا منهم اختيار الكفر وإيثاره. وهو حجة على المعتزلة ؛ فإن عندهم : قد شاء الله أن يعطي كل نفس ما به اهتدت، وقد أعطاها، لكنها لم تهتد وأَوّلوا الآية بمشيئة الجبر، وهو فاسد. قال تعالى :﴿ولكن حقَّ القولُ مني لأملأنّ جهنمَ من الجِنّة والناس أجمعين﴾، أي : ولكن وجب القول مني لأعمرنّ جهنم من الجِنَّة والناس، الذين علمت منهم أنهم يختارون الكفر والتكذيب. وفي تخصيص الجن والإنس : إشارة إلى أنه عصم الملائكة من عمل يستوجبون به جهنم. وفي الآية ما يقتضي تخصيص أهل النار بالجن والإنس، فيرد ما يُذكر أنه كان قبل آدم أُمم كفروا، ولا يصح ذلك، إلا أن يكونوا من الجن.
﴿
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٨٩
فذُوقُوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا﴾ أي : باشروا وبال ترككم العمل للقاء يومكم هذا، وهو الإيمان به. ﴿إِنا نَسيناكم﴾ : تركناكم في العذاب، ﴿وذوقوا عذابَ الخُلْدَ﴾ أي : العذاب الدائم الذي لا انقطاع له ﴿بما كنتم تعملون﴾ من الكفر والمعاصي.
ثم ذكر ضدهم بقوله :﴿إنما يُؤمن بآياتنا﴾ ؛ القرأن ﴿الذين إذا ذُكَّروا بها خَرّوا سُجَّداً﴾ ؛ سجدوا لله ؛ تواضعاً وخشوعاً، وشكروا على ما رزقهم من الإسلام، ﴿وسبَّحوا بحمد ربهم﴾ أي : نزَّهوا الله عما لا يليق به، وأثنوا عليه ؛ حامدين له، ﴿وهم لا يستكبرون﴾ عن الإيمان والسجود له. جعلنا الله منهم بمنِّه، آمين.