أي : سنة، ومع هذا لا يُخلون أوقاتهم من العبادة الحسية، شكراً، وقياماً بآداب العبودية، وهي في حقهم كمال، كما قال الجنيد : عبادة العارفين تاج على الرؤوس. هـ. وفي مثل هؤلاء ورد الخبر :" إن أهل الجنة بينما هم في نعيمهم، إذ سطع عليهم نور من فَوق، أضاءت منه منازلهم، كما تضيء الشمس لأهل الدنيا، فنظروا إلى رجالٍ مِنْ فوقهم، أهل عليين يرونهم كما يُرى الكوكب الدري في أفق السماء، وقد فُضِّلُوا عليهم في الأنوار والنعم، كما فضل القمر على سائر النجم، فينظرون إليهم، يطيرون على نجب، تسرح بهم في الهواء، يزورون ذا الجلال الإكرام، فينادون هؤلاء : يا أخواننا، ما أنصفتمونا، كنا نُصلي كما تُصلون، ونصوم كما تصومون، فما هذا الذي فضلتمونا به ؟ فإذا النداء من قِبل الله تعالى : كانوا يجوعون حين تشبعون، ويعطشون حين تروون، ويعرون حين تكسون، ويذكرون حين تسكتون، ويبكون حين تضحكون، ويقومون حين تنامون، ويخافون حين تأمنون، فلذلك فُضِّلوا عليكم اليوم " فذلك قوله تعالى :" فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ". هـ.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٩٢
قال القشيري :(تتجافى جنوبهم عن المضاجع)، في الظاهر، عن الفراش، قياماً بحقِّ العبادة والجهد والتِهجد، وفي الباطن : بِتَبَاعُدِ قلوبِهم عن مضاجعات الأحوال، ورؤية قَدرِ النفس، وتوهم المقام ؛ لأن ذلك بجملته، حجابٌ عن الحقيقة، وهو للعبد سُمٍّ قاتل، فلا يساكنون أعمالهم، ولا يلاحظون أحوالهم، ويفارقون مآلِفَهم، ويَهجُرون
٣٩٤
معارفهم. والليل زمان الأحباب، قال الله تعالى :﴿لِتَسْكُنُواْ فِيهِ﴾ [القصص : ٧٣] يعني : عن كلّ شُغل وحديث سوى حديث معبودكم ومحبوبكم، والنهارُ زمان أهل الدنيا. قال الله تعالى :﴿وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً﴾ [النبأ : ١١].. انظر بقية كلامه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٩٢


الصفحة التالية
Icon