﴿وأما الذين فسقوا فمأواهم النارُ﴾ أي : هي ملجأهم ومنزلُهم، ﴿كلما أرادوا أن يخرجوا منها أُعيدوا فيها﴾، فلا خروج منها، ولا موت، ﴿وقيل﴾ لهم :﴿ذُوقُوا عذابَ النار الذي كنتم به تُكذِّبون﴾، هذا دليل على أن المراد بالفاسق : الكافر ؛ إذ التكذيب يقابل الإيمان. قال ابن جزي : فإن قيل : لِمَ وصف، هنا، العذاب، وأعاد عليه الضمير، ووصف، في سبأ، النار وأعاد عليها الضمير، فقال :﴿عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ [سبأ : ٤٢] ؟ فالجواب من ثلاثة أوجه : الأول : أنه خص العذاب في السجدة بالوصف ؛ اعتناء به ؛ لَمَّا تكرر ذكره في قوله :﴿لنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر..﴾، الثاني : أنه تقدم في السجدة ذكر النار، فكان الأصل أن يذكرها بعد ذلك بلفظ المضمر، لكنه جعل الظاهر مكان المضمر، فكما لا يوصف المضمر ؛ لم يوصف ما قام مقامه، وهو النار، فوصف العذاب، ولم يصف النار، الثالث - وهو الأقوى : أنه امتنع في السجدة وصف النار، فوصف العذاب، وإنما امتنع وصفها ؛ لتقدم ذكرها، فإنك إذا ذكرت شيئاً ثم كررت ذكره لم يجز وصفه، كقولك : رأيت رجلاً فأكرمت الرجل. فلا يجوز وصفه لما يوهم أنه غيره. هـ.
٣٩٥
الإشارة : أفمن كان مصدقاً بطريق الخصوص، داخلاً فيها، شارباً من خمرتها، كمن كان فاسقاً خارجاً عنها، مشتغلاً بنفسه، غريقاً في هواه، لا يستوون أبداً. أما الذين آمنوا بها، وصدقوا أهلها، ودخلوا في تربيتهم، فلهم جنات المعارف، هي مأواهم ومعشش قلوبهم، إليها يأوون، وفيها يسكنون، وأما الذين فسقوا وخرجوا عن تربيتهم، فمأواهم نار القطيعة، وعذاب الحرص، وغم الحجاب، كلما أرادوا أن يخرجوا منها أُعيدوا فيها ؛ إذ لا خروج منها إلا بصحبة أهلها. وقيل لهم : ذوقوا وبال الإنكار، وحرمان الخصوصية، التي كنتم بها تكذبون.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٩٥