يقول الحق جل جلاله :﴿ولنذيقنَّهم من العذاب الأدنى﴾ أي : عذاب الدنيا ؛ من القتل، والأسر في بدر، أو ما مُحنوا به من السَّنَةِ، سَبْعَ سنين. ﴿دون العذاب الأكبر﴾ أي : قبل عذاب الآخرة، الذي هو أكبر، وهو الخلود في النار. وعن الداراني : العذاب الأدنى : الخذلان، والعذاب الأكبر : الخلود في النيران. وقيل : الأدنى : عذاب القبر، والأكبر : النار. ﴿لعلهم يرجعون﴾ ؛ يتوبون عن الكفر.
﴿ومن أظلم﴾ أي : لا أحد أظلم ﴿ممن ذُكِّر﴾ أي : وُعظ ﴿بآياتِ ربه﴾ ؛ القرآن، ﴿ثم أعرض عنها﴾ اي : تولى عنها، ولم يتدبر في معناها. و " ثم " ؛ للاستبعاد ؛ فإن الإعراض عن مثل هذه في ظهورها، وإنارتها، وإرشادها إلى سواء السبيل، والفوز بالسعادة العظمى، بعد التذكر بها، مُسْتَبْعَدٌ في العقل، كما تقول لصاحبك : وجدت تلك الفرصة ثم لم تنتهِزْها - ؛ استبعاداً لتركه الانتهاز. ﴿إنا من المجرمين منتقمون﴾، ولم يقل :" منه "، تسجيلاً عليه بإعراضه بالإجرام، ولأنه إذا جعله أظلم مِنْ كل ظالم، ثم توعد المجرمين، عامة، بالانتقام، دلّ على إصابة الأظلم أوفَرُ نصيب الانتقام، ولو قال بالضمير لم يفد هذه الفائدة.
الإشارة : ولنذيقن أهل الغفلة والحجاب، من العذاب الأدنى، وهو الحرص والطمع والجزع والهلع، قبل العذاب الأكبر، وهو غم الحاجب وسوء الحساب. قال القشيري : قومٌ : الأدنى لهم : مِحَنُ الدُنيا، والأكبر : عقوبة العُقبى. وقومٌ : الأدنى لهم : فترةٌ تُداخلهم في عبادتهم، والأكبر : قسوةٌ تُصيبهم في قلوبهم. وقومٌ : الأدنى لهم : وقفة مع سلوكهم تمسهم. والأكبرُ : حَجْبَةٌ عن مشاهدتهم بسرهم - قلت : الأول في حق العوام، والثاني : في حق الخواص، وهم العباد والزهاد. والثالث : في حق أهل التربية من الواصلين - ثم قال : ويقال : الأدنى : الخذلان في الزلة، والأكبر : الهجران في الوصلة. ويقال : الأدنى :
٣٩٦
تكدّرُ مَشَارِبِهم، بعد صفوها، والأكبر : تَطَاوُلُ أيامِ الحَجْب، من غير تبيين آخرها. وأنشدوا :