يقول الحق جل جلاله :﴿أَوَ لَمْ يَهْدِ لهم﴾ أي : يُبين لهم الله تعالى ما يعتبرون به، فينظروا ﴿كم أهلكنا مِن قبلهِم من القرون﴾ ؛ كعاد وثمود، وقوم لوط، ﴿يمشون﴾ يعني : قريشاً، ﴿في مساكنهم﴾ حين يمرون على ديارهم، ومنازُلُهمْ، خاوية، في متاجرهم إلى الشام، ﴿إن في ذلك لآياتٍ﴾ دالة على قدرتنا، وقهريتنا ﴿أفلا يسمعون﴾ المواعظ، فيتعظون بها ؟.
الإشارة : قال القشيري : لم يعتبروا بمنازل أقوام كانوا في حَبْرَةٍ، فصاروا في عَبرةً، كانوا في سرورِ، فآلوا إلى ثبور، فجميع ديارهم وتراثِهم صارت لأغيارهم، وصُنوفُ أموالهم عادت إلى أشكالهم، سكنوا في ظِلالهم، ولم يعتبروا بمن مضى من أمثالهم، وفي مثلهم قيل :
نِعَمٌ، كانت على قو
مٍ زمانا، ثم فاتت،
هكذا النعمةُ والإحـ
سانُ قد كانت وكانت.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٩٧
يقول الحق جل جلاله :﴿أوَلَمْ يَرَوا أَنَّا نسوقُ الماءَ﴾ : المطر ﴿إلى أرض الجُرُز﴾ أي : التي جُرِزَ نباتها، أي : قُطِعَ، ولم يَبْقَ منه شيء ؛ إما لعدم الماء، أو لأنه رُعِيَ. يقال : جرزت الجراد الزرع ؛ إذ استأصلته، وفي القاموس : وأرض جرز : لا تنبت، أو أكل نباتها، أو لم يصبها مطر. ثم قال : وأرض جارزة : يابسة غليظة، وفيه أربع لغات : جُرْز وجُرُز وجَرَز وجُرَز. ولا يقال للتي لا تنبت ؛ كالسباخ : جرز، بدليل قوله :﴿فنُخرج به﴾ أي : بالماء، ﴿زرعاً تأكل منه﴾ أي : الزرع، ﴿أنعامُهم﴾ ؛ كالتبن والورق، ﴿وأنفسُهم﴾ ؛ كالحب والتمر، المراد بالزرع : كل ما يُزرع ويُستنبت، (أفلا يُبصرون)، فيستدولون به على قدرته على إحياء الموتى ؟.
﴿ويقولون متى هذا الفتحُ﴾ أي : النصر، أو الفصل بالحكومة ؛ من قوله ﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا﴾ [الأعراف : ٨٩]. وكان المسلمون يقولون : إن الله سيفتح لنا على المشركين، أو يفتح بيننا وبينهم، فإذا سمع المشركون، قالوا : متى هذا الفتح ؟ أي : في أي وقت يكون ﴿إن كنتم صادقين﴾ في أنه كائن ؟.