﴿وأنزلنا فيها﴾ أي : في تضاعيفها ﴿آيات بينات﴾ أي : دلائل واضحات ؛ لوضوح دلالتها على أحكامها لا على معانيها ؛ فإنها كسائر السور. وتكرير (أنزلنا)، مع أن جميع الآيات عين السورة ؛ لاستقلالها بعنوان رائق دَاع إلى تخصيص إنزالها بالذكر ؛ إبانة لخطرها، ورفعاً لقدرها، كقوله تعالى :﴿وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ [هود : ٥٨]، بعد قوله :﴿نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ﴾. ﴿لعلكم تذكَّرون﴾ أي : لكي تتعظوا فتعملوا بموجبها عند وقوع الحوادث الداعية إلى إجراء أحكامها. وفيه إيذان بأن حقها أن تكون على بالٍ منهم، بحيث متى مست الحاجة إليها استحضروها.
ثم شرع في تفصيل أحكامها، فقال :﴿الزانيةُ والزاني فاجلدوا كلَّ واحد منهما مائةَ جلدةٍ﴾ ؛ إذا كانا حُرَّيْن، بالغين، غَيْر مُحْصَنَيْنِ، وألا تكون المرأة مكرَهة. وظاهر الآية : عموم المحصن وغيره، ثم نسخ بالسُنة المشهورة. وقد رجم - عليه الصلاة والسلام -
٤٧
مَاعزاً وغيره. وعن علي رضي الله عنه : جلدتهما بكتاب الله، ورجمتهما بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل نسخ بآية منسوخة التلاوة، وهي :(الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما أَلْبَتَّةَ ؛ نكالاً من الله والله عزيز حكيم)، ويأباه ما رُوي عن علي رضي الله عنه. هـ. قاله أبو السعود.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٧
وشرط الإحصان : العقل، والحرية، والإسلام، والبلوغ، والتزوج بنكاح صحيح، ودخول معتبر. وفي التعبير بالجلد، دون الضرب ؛ إشارة إلى أنه لا يبالغ إلى أن يصلَ أثرُ الضرب إلى اللحم، ولكن يخفف حتى يكون حد ألمه الجِلد الظاهر. والخطاب للأئمة ؛ لأن إقامة الحدود من الدِّين، وهو على الكل، إلا أنه لا يمكن الاجتماع، فيقوم الإمام مقامهم، وزاد مالك والشافعي مع الجلد : تغريب عام، أخذاً بالحديث الصحيح. وقال أبو حنيفة : إنه منسوخ بالآية.