﴿ولا تأخذكم بهما رأفةٌ﴾ أي : رحمة ورقة. وفيها لغات : السكونُ، والفتح مع القصر والمد، كالنشأة والنشاءة، وقيل : الرأفة في دفع المكروه، والرحمة في إيصال المحبوب. ﴿في دين الله﴾ أي : طاعته وإقامة حدوده، والمعنى : أن الواجب على المؤمنين أن يتصلبوا في دين الله، ولا يأخذهم اللين حتى يتركوا حدود الله. ﴿إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر﴾، هو من باب التهييج، وإلهاب الغضب لله، ولدينه، فإن الإيمان يقتضي الجد في طاعته، والاجتهاد في إجراء أحكامه. وذكر اليوم الآخر ؛ لتذكير ما فيه العقاب في مقابلة المسامحة. وجواب الشرط : مضمر، أي : إن كنتم تؤمنون بالله فاجلدوا ولا تعطلوا الحد.
قيل لأبي مجلز في هذه الآية : والله إنا لنرحمهم أن يُجلَدَ الرجل أو تُقطع يده، فقال : إنما ذلك في السلطان، ليس له أن يدعهم رحمة لهم. وجَلَدَ ابن عمر جارية، فقال للجلاد : ظهرَها ورجليها وأسفلها، وخفّف، فقيل له : أين قوله :﴿ولا تأخذكم بهما رأفة﴾... ؟ فقال : أأقتلها ؟، إنَّ الله أمرني أن أضربها وأأدبها، ولم يأمرني أن أقتلها. هـ. ويجرد للجلد إلا ما يستر العورة.
﴿وليشهدْ عذابَهما﴾ أي : وليحضر موضع حدِّهما ﴿طائفةٌ من المؤمنين﴾ ؛ زيادة في التنكيل، فإن التفضيح قد ينكل أكثر من التعذيب. قال بعض العلماء : ينبغي أن يقام بين يدي الحكام، ولا يقيمه إلا فضلاء الناس وخيارهم ؛ لأنه قيام بقاعدة شرعية، وقُربة تعبدية، يجب المحافظة على فعلها، وقدرها، ومحلها، وحالها، بحيث لا يتعذر شيء من شروطها وحرمتها، فإن دم المسلم وحرمته عظيمة، فيجب مراعاته بكل ما أمكن، فلا
٤٨
يقصر عن الحد، ولا يزاد عليه. ويطلب الاعتدال في السوط، فلا يكون ليناً جداً، ولا يابساً جداً، وكذلك في الضرب، فلا يرفع يده حتى يرى إبطه، ولا يخفف فيه جداً، بل يتوسط بحيث يؤلمه ولا يضره.