فالمرء على دين خليله، ومن تحقق بحالة لا يخلوا حاضروه منها، والحكم للغالب، فإن كان النورُ قوياً غلب الظلمةَ، وإن كانت الظلمة قوية غلبت النور، وصيرته ظلمة، ولذلك نهى الله تعالى عن نكاح الزواني، فإنه وإن كان نور الزوج غالباً - إذا كان ذا نور - فإن العِرْقَ نَزَّاعٌ، فيسرى ذلك في الفروع، فلا تكاد تجد أولاد أهل الزنا إلا زناة، ولا أولاد أهل العفة إلا أعِفَّاء، ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً﴾ [الأعراف : ٥٨].
وفي الحديث :" إياكم وخَضْرَاءَ الدِّمَنِ، قيل : وما خضراء الدمن يا رسول الله ؟ قال : المرأة الحسناء في المنبت السوء " قال ابن السكيت : شبهها بالبقلة الخضراء في دِمْنَةِ أرض خبيثة ؛ لأن الأصل الخبيث يحن إلى أصله، فتجيء أولادها لأصلها في الغالب. فيجيب على اللبيب - إن ساعفته الأقدار - أن يختار لزراعته الأرض الطيبة، وهي الأصل الطيب، لتكون الفروع طيبة. وفي الحديث :" تخيَّرُوا لنطفكم ولا تضعوها إلاّ في الأَكْفَاءِ " هـ. وبالله التوفيق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٠
٥١
قلت :" ثمانين " : مفعول مطلق، و " جلَدة " : تمييز. " إلا الذين تابوا " : إما استثناء من ضمير " لهم "، فمحله : الجر، او : من قوله :" الفاسقون "، فمحله : النصب ؛ لأنه بعد مُوجَبٍ تام.
يقول الحق جل جلاله، في بيان شأن العفائف، بعد بيان شأن الزواني :﴿والذين يرمُون﴾ أي : يقذفون بالزنا ﴿المحصناتِ﴾ ؛ الحرائر العفائف المسلمات المكلفات، بأن يقول : يا زانية، أو : يا مُحبة، ولا فرق بين التصريح والتعريض، ولا بين النساء والرجال، قاذفاً أو مقذوفاً. والتعبير بالرمي، المنبئ عن صلابة الآلة، وإيلام المرمى، وبعده عن الرامي ؛ إيذان بشدة تأثيره فيهن، وكونه رجماً بالغيب. والتعبير بالإحصان يدل على أن رميهن إنما كان بالزنا، لا غير.