﴿ثم لم يأتوا بأربعةِ شهداء﴾ يشهدون عليهن بما رموهن به، وفي كلمة " ثم " ؛ إشارة إلى جواز تأخير الإتيان بالشهود، كما أن في كلمة " لم " : تحقق الإتيان بهم. وشروط إحصان القذف : الحرية، والعقل، والبلوغ، والإسلام، والعفة عن الزنا، فإن توفرت الشروط ﴿فاجلدوهم﴾ أي : القاذفين ﴿ثمانينَ جلدة﴾ ؛ لظهور كذبهم وافترائهم ؛ لقوله تعالى :﴿فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ فَأُوْلَـائِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ [النور : ١٣]، وتخصيص رميهن بهذا الحكم، مع أن رمي المحصنين أيضاً كذلك ؛ لخصوص الواقعة، وشيوع الرمي فيهن. والحدود كلها تشطر بالرق، فعلى العبد في الزنا خمسون، وفي القذف أربعون.
﴿ولا تقبلوا لهم﴾ بعد ذلك ﴿شهادةً أبداً﴾ ؛ زجراً لهم ؛ لأن رد شهادتهم مؤلم لقلبهم، كما أن الجلد مؤلم لبدنهم. وقد آذى المقذوف بلسانه، فعوقب بإهدار شهادته، جزاء وفاقاً. والمعنى : ولا تقبلوا منهم شهادة من الشهادات، حال كونها حاصلة لهم عند الرمي، أبداً، مدة حياتهم، فالرد من تتمه الحدّ، كأنه قيل : فاجلدوهم وردوا شهادتهم، أي : فاجمعوا لهم بين الجلد والبرد. ﴿وأولئك هم الفاسقون﴾، كلام مستأنف غير داخل في جزاء الشرط ؛ لأنه حكاية حال الرامي عند الله تعالى بعد انقضاء الجزاء، وما في اسم الإشارة من معنى البُعد ؛ للإيذان ببُعد منزلتهم في الشر والفساد، أي : أولئك هم المحكوم عليهم بالفسق، والخروج عن الطاعة، والتجاوز عن الحد، فإنهم المستحقون لإطلاق اسم الفاسق عليهم، دون غيرهم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥١


الصفحة التالية
Icon