إلا الذين تابوا من بعد ذلك} القذف، ﴿وأَصلحوا﴾ أحوالهم، فهو استثناء من الفاسقين، بدليل قوله :﴿فإن الله غفور رحيم﴾ أي : يغفر ذنوبهم ويرحمهم، ولا ينظمهم في سلك الفاسقين. فعلى هذا لا تُقبل شهادته مطلقاً فيما حدّ فيه وفي غيره ؛ لأن رد شهادته وُصلت بالأبد، وأما توبته فإنما تنفعه فيما بينه وبين الله، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وهو قول ابن عباس وشريح والنخعي. وقيل : الاستثناء راجع لقوله :﴿ولا تقبلوا لهم شهادة﴾، فإذا تاب وأصلح قبلت شهادته مطلقاً ؛ لأنه زال عنه اسم الفسق،
٥٢
والأبد عبارة عن مدة كونه فاسقاً، فينتهي بالتوبة، وبه قال الشافعي وأصحابه، وهو قول الشعبي ومسروق وابن جبير وعطاء وسليمان بن يسار. وفصل مالك، فقال : لا تجوز فيما حدّ فيه، ولو تاب، وتجوز فيما سواه، وكأنه جمع بين القولين. والله تعالى أعلم.
الإشارة : الغض عن مساوئ الناس من أفضل القرب، وهو من شيم ذوي الألباب، وبه السلامة من الهلاك والعطَب، والتعرض لمساوئهم من أعظم الذنوب، وأقبح العيوب، ولله در القائل :
إذَا شئْتَ أَن تَحْيَا ودينك سالم
وحظك موفُورٌ وعِرْضُكَ صَيّنُ
لِسَانَكَ، لا تذكُرْ به عَوْرَةَ امِرىءٍ
فعندك عَوْرَاتٌ ولِلنَّاس أَلسُنُ
وإنْ أبصرت عَيْنَاكَ عيباً فقل لها :
أيا عَيْنُ لا تنظري ؛ فللناس أعيُنُ
وعَاشِرْ بمَعْرُوفٍ وجَانِبْ مَنِ اعتَدى
وفارقْ ولكنْ بالتي هي أحْسَنُ
فالمتوجه إلى الله لا يشتغل بغير مولاه، ولا يرى في المملكة سواه، يذكر الله على الأشياء، فتنقلب نوراً ؛ لحسن ظنه بالله، ويلتمس المعاذر لعباد الله ؛ لكمال حسن ظنه بهم. وبالله التوفيق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥١


الصفحة التالية
Icon