والحق تعالى غيور على قلوب أصفيائه، لا يحب أن تركن إلى غيره، فمهما ركنت إلى شيء شوش ذلك عليه، كقضية سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام مع ابنه حين أمر بذبحه، وكقضية سيدنا يعقوب عليه السلام مع ابنه حين غيّبه عنه. وكانت عائشة رضي الله عنها - قد استولى عليها حبه - عليه الصلاة والسلام -، فكادت تحجب بالواسطة عن الموسوط، فردها إليه تعالى بما أنزل بها، تمحيصاً وتخليصاً وتخصيصاً، حتى أفردت الحق تعالى بالشهود، فقالت : بحمد الله، لا بحمد أحد. وكذا شأنه تعالى مع أحبائه ؛ يردهم إليه بما يوقع بهم من المحن والبلايا حتى لا يكونوا لغيره. وبالله التوفيق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٥
قلت : قال ابن هشام : وقد يلي حرف التخصيص اسم معلق بفعل، إما بمضمر، نحو :" فهَلاَّ بكْراً تُلاعِبُها وتُلاعِبُك " أي : فهلا تزوجت، أو مؤخراً نحو :(لولا إذ سمعتموه قلتم..) أي : فهلا قلتم إذ سمعتموه. هـ. وإليه أشار في الخلاصة بقوله :
وَقَدْ يَلِيهَا اسْمٌ بِفِعْلِ مُضْمَرِ
عُلِّقَ أَوْ بِظاَهِرٍ مُؤَخَّرِ
يقول الحق جل جلاله :﴿لولا إذْ سمعتموه﴾ أي : الإفك ﴿ظنَّ المؤمنون والمؤمناتُ بأنفسهم خيراً﴾ بالذين هم منهم ؛ لأن المؤمنين كنفس واحدة، كقوله :﴿وَلاَ تَلْمِزُوااْ أَنفُسَكُمْ﴾ [الحجرات : ١١] أي : هلا ظنوا بإخوانهم خيراً : عَفَافاً وصلاحاً، وذلك نحو ما يُروى عن عمر رضي الله عنه قال لرسول الله ﷺ :(أنا قاطع بكذب المنافقين ؛ لأن الله تعالى عصمك عن وقوع الذباب على جلدك، لئلا يقع على النجاسات فَتُلَطَّخَ بها، فإذا
٥٧
عصمك من ذلك فكيف لا يعصمك من صحبة من تكون ملطخة بهذه الفاحشة)!. وقال عثمان رضي الله عنه :(ما أوقع ظلك على الأرض ؛ لئلا يضع إنسان قدمه عليه ؛ فلَمَّا لم يُمكِّن أحداً من وضع القدم على ظلك، فكيف يُمكِّن أحداً من تلويث عرض زوجتك!).


الصفحة التالية
Icon