﴿ولولا فضلُ الله عليكم ورحمتُه﴾ بالهداية والتوفيق لأسباب التطهير والعصمة والحفظ، ﴿ما زَكَى منكم﴾ أي : ما طَهُرَ من أَدْناسِ العيوب ولوث الفواحش ﴿من أحدٍ أبداً﴾ ؛ إلى ما لا نهاية له، وإذا كان التطهير والعصمة بيد الله فلا تروا لأنفسكم فضلاً عمن لم يعصمه الله ؛ فإنه مقهور تحت مجاري الأقدار، ﴿ولَكِنَّ الله يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ﴾ ؛ يطهر من يشاء من عباده ؛ بإفاضة آثار فضله ورحمته عليه ؛ بالحفظ والرعاية، أو بالتوبة بعد الجناية، ﴿والله سميعٌ عليم﴾ ؛ سميع لأقوالكم وإن خفيت، ومن جملتها : الحلف على ترك فعل الخير، عليم بنياتكم وإخلاصكم.
٦١
وهذا الكلام مقدمة لقوله :﴿ولا يأْتَل﴾، من قولك : أليت : إذا حلفت، أي : لاَ يَحْلِفْ ﴿أولو الفضل منكم﴾ أي : في الدين، وكفى به دليلاً على فضل الصِّدِيقِ رضي الله عنه، ﴿والسَّعَةِ﴾. أي : والسعة في المال ﴿أن يُؤتوا﴾ أي : لا يحلف على ألا يُعطوا ﴿أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيلِ الله﴾ ؛ كمسطح، فإنه كان ابن خالته، وكان من فقراء المهاجرين. وهذه الأوصاف هي لموصوف واحد، جيء بها، بطريق العطف ؛ تنبيهاً على أن كلاًّ منها علة مستقلة لا ستحقاقه الإيتاء. وحذف المفعول الثاني ؛ لظهوره، أي : على ألاّ يؤتوهم شيئاً، ﴿وليعفُوا﴾ عما فرط منهم ﴿وليصفحُوا﴾ بالإغضاء عنه، فالعفو : التستر، والصفح : الإعراض، أي : وليتجاوزوا عن الجفاء، وليُعرضوا عن العقوبة.
﴿
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٦١
ألا تُحبُّون أن يغفر الله لكم﴾
؟ فلتفعلوا ما تحبون أن يُفْعَلَ بكم وبهم، مع كثرة خطاياهم، ﴿والله غفور رحيم﴾ ؛ مبالغ في المغفرة والرحمة، مع كثرة ذنوب العباد، فتأدبوا بآداب الله، واعفوا، وارحموا. ولما قرأها النبي ﷺ على أبي بكر رضي الله عنه قال : بل أُحب أن يغفر الله لي. ورد إلى مسطح نفقته، وقال : والله لا أنزعها منه أبداً.
وبالله التوفيق.


الصفحة التالية
Icon