وعن ابن عباس رضي الله عنه :(من أذنب ذنباً وتاب قُبلت توبته، إلا مَن خاض في أمر عائشة - رضي الله عنها)، وهذا منه مبالغةً وتعظيم لأمر الإفك، وقد برّأ الله تعالى أربعة ؛ برّأ يوسف بشاهدٍ من أهلها، وموسى عليه السلام من قول اليهود فيه : أنه آدر، بالحجر الذي ذهب بثوبه، ومريم بنطق ولدها، وعائشة بهذه الآي العظام في كتابه المعجز، المتلوّ على وجود الدهر، بهذه المبالغات. فانظر : كم بينها وبين تبرئة أولئك ؟ ‍! وما ذلك إلا لإظهار علوّ منزلة رسوله، والتنبيه على إنَافَةِ محله صلى الله عليه وسلم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٦٣
وقد رام بعضُ النصارى الطَّعْنَ على المسلمين بقضية الإفك، فقال : كيف تبقى زوجة نبيكم، مع رجل أجنبي ؟ فقال له، من كان يناظره من العلماء : قد برأها من برأ أُمَّ نبيكم، فبُهت الذي كفر. والله تعالى أعلم.
الإشارة : قد مدح الله تعالى أزواج النبي ﷺ بثلاثة أوصاف، هي من أكمل الأوصاف : العفة، والتغافل، وتحقيق الإيمان ؛ أما العفة : فهي حفظ القلب من دخول الهوى، والجوارح من معاصي المولى، وأما التغافل : فهو الغيبة عما سوى الله، والتغافل عن مساوئِ الناس. وفي الحديث :" المؤمن ثلثاه تغافل "، وقال أيضاً ﷺ :" المومنُ غِرٌّ كَرِيمٌ، والمنافقُ خَبٌّ لَئِيمٌ " وأما تحقيق الإيمان فيكون بالتفكر والاعتبار، وبصحبة الصالحين الأبرار، ثم يصير الإيمان ضرورياً بصحبة العارفين الكبار.
قال القشيري : قوله تعالى :﴿ويعلمون أن الله هو الحق المبين﴾ : تصير المعارف ضروريةً، فيجدون المعافاة في النظر والتذكر، ويستريح القلبُ من وَصْفَيْ تَرَدُّدِه وتَغيُّرِه، باستغنائه ببَصرِه عن تبصره. ويقال : لا يشهدون هذا إلا بالحق، فهم قائمون بالحق للحق مع الحق، يُبدي لهم أسرارَ التوحيد وحقائقه، فيكون القائمَ فيهم والآخذَ لهم عنهم، من غير أن يردهم عليهم. هـ. وبالله التوفيق.


الصفحة التالية
Icon