وأمرناه ﴿أنِ اعمل سَابِغاتٍ﴾ أي : دروعاً واسعةً تامة، من : السبوغ، بمعنى الإطالة، ﴿وقدِّر في السَّردِ﴾ لا تجعل المسامير دقاقاً فيقلق، ولا غلاظاً فتنكسر الحلَق، أو تؤذي لابسها. والتقدير : التوسُّط في الشيء، والسرد : صنعة الدروع، ومنه قيل لصانعه : السراد والزراد. ﴿واعملوا صالحاً﴾ شكراً لما أسدي إليكم. والضمير لداود وأهله. والعمل الصالح : ما يصلح للقبول ؛ لإخلاصه وإتقانه، ﴿إِنِّي بما تعملون بصير﴾ فأجازيكم عليه.
الإشارة : الفضل الذي أُوتيه داود عليه السلام هو كشف الحجاب بينه وبين الكون، فلما شهد المكون، كانت الأكوان معه. " أنت مع الأكوان ما لم تشهد المكون، فإذا شهدت المكون كانت الأكوان معك ". ولا يلزم من كونها معه في المعنى، بحيث تتعشّق له وتهواه، أي : تنقاد كلها له في الحس، بل ينقاد إليه منها ما يحتاج إليه، حسبما تقتضيه الحكمة، وتسبق به المشيئة، فسوابق الهمم لا تخرق أسوار الأقدار. وقوله تعالى :﴿وأَلَنَّا له الحديدَ﴾ في الظاهر : الحديد الحسي، وفي الباطن : القلوب الصلبة كالحديد، فتلين لوعظه بالإيمان والمعرفة. وكذا في حق كل عارف تلين لوعظه القلوب، وتقشعر من كلامه الجلود. وهو أعظم نفعاً من لين الحديد الحسي. ويقال له : أن اعمل سابغاتٍ، أي : دروعاً تامة، يتحصّن بها من الشيطان والهوى، وهو ذكر الله، يستعمله ويأمر به، ذكراً متوسطاً، من غير إفراط ممل، ولا تفريط مخل. فإذا انتعش الناس على يده كَبُرَ قدره عند ربه، فيؤمر بالشكر، وهو قوله :﴿واعملوا صالحاً إِني بما تعملون بصير﴾ والله تعالى أعلم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٦٥
قلت :" الريح " : مفعول بمحذوف، أي : وسخرنا له الريح، ومَن رفعه ؛ فمبتدأ تقدّم خبره.


الصفحة التالية
Icon