﴿وقليل من عباديَ الشكورُ﴾ يحتمل أن يكون من تمام الخطاب لداود عليه السلام، أو خطاب لنبينا صلى الله عليه وسلم. والشكور : القائم بحق الشكر، الباذل وسعه فيه، قد شُغل به بقلبه
٦٩
ولسانه وجوارحه في أكثر أوقاته، اعتقاداً واعترافاً وكدحاً. وعن ابن عباس : هو مَن يشكر على أحواله كلها. وقيل : مَن شكر على الشكر، ومَن يرى عجزه عن الشكر. قال البيضاوي : لأن توفيقه للشكر نعمة، فتقتضي شكراً آخر، لا إلى نهاية، ولذلك قيل : الشكور مَن يرى عجزه عن الشكر. هـ.
الإشارة : وسخرنا لسليمان ريح الهداية، تهب بين يديه، يُهتدى به مسيرة شهر وأكثر، وأسلنا لوعظه وتذكيره العيون الجامدة، فقطرت بالدموع خُشوعاً وخضوعاً. وكل مَن أقبل على الله بكليته سخرت له الكائنات، جنها وإنسها، يتصرف بهمته فيها. فحينئذ يقال له ما قيل لآل داود : اعملوا آل داود شكراً. قال الجنيد : الشكر : بذل المجهود بين يدي المعبود. وقال أيضاً : الشكر ألا يُعصى الله بنعمه.
والشكر على ثلاثة أوجه : شكر بالقلب، وشكر باللسان، وشكر بسائر الأركان. فشكر القلب : أن يعتقد أن النعم كلها من الله، وشكر اللسان : الثناء على الله وكثرة المدح له، وشكر الجوارح : أن يعمل العمل الصالح. وسئل أبو حازم : ما شكر العينين ؟ قال : إذا رأيت بهما خيراً أعلنته، وإذا رأيت بهما شرًّا سترته، قيل : فما شكر الأذنين ؟ قال : إذا سمعت بهما خيراً وعيته، وإذا سمعت بهما شرًّا دفنته، قيل : فما شكر اليدين ؟ قال : ألا تأخذ بهما ما ليس لك، ولا تمنع حقًّا هو لله فيهما، قيل : فما شكر البطن ؟ قال : أن يكون أسفلُه صبراً، وأعلاه علماً، قيل : فما شكر الفرج ؟ قال : كما قال الله تعالى :﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾ [المؤمنون : ٥] الآية، قيل : فما شكر الرجلين ؟ قال : إن رأيت شيئاً غبطته استعملتهما، وإن رأيت شيئاً مقته كفقتهما. هـ.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٦٧