فلم يزل بيت المقدس على ما بناه سليمان عليه السلام حتى خرّبه بخت نصر، وأخذ ما كان فيه من الذهب والفضة واليواقيت، وحمله إلى دار مملكته من العراق.
ثم قال : قال المفسرون : كان سليمان ينفرد في بيت المقدس السنة والسنتين، والشهر والشهرين، يدخل فيه طعامه وشرابه، فدخله في المرة التي مات فيها. وكان بدء ذلك أنه لم يكن يوم يصبح فيه إلا نبتت في بيت المقدس شجرة، فيسألها : ما اسمك ؟ فتقول الشجرة : اسمي كذا، فيأمر بها فنقطع، فإن كانت لغرس غرسها، وإن كانت لدواء كُتبت. فبينما هو يصلي ذات يوم إذ رأى شجرة بين يديه، فقال لها : ما اسمك ؟ قالت : الخروبة، قال لها : ولأي شيء نَبَتِّ ؟ قالت : لخراب هذا المسجد، فقال : ما كان الله ليخربه وأنا حيّ، أنت التي على وجهك هلاكي، وهلاك بيت المقدس، فنزعها وغرسها في حائط، ثم قال : اللهم أعم عن الجن موتي، حتى يعلم الإنسُ أن الجن لا يعلمون الغيب. وكانت الجن تُخبر الإنس أنهم يعلمون أشياء من علم الغيب، ثم دخل المحراب، وقام يصلي على عصاه، فمات.
وقيل : إن سليمان قال لأصحابه ذات يوم : قد آتاني الله ما ترون، وما مرّ عليَّ يوم في ملكي بحيث صفا لي من الكدر، وقد أحببتُ أن يكون لي يوم واحد يصفو لي من الكدر، فدخل قصره من الغد، وأمر بغلق أبوابه، ومنع الناس من الدخول عليه، ورفْعِ الأخبار إليه. ثم اتكأ على عصاه ينظر في ممالكه، إذ نظر إلى شاب حسن الوجه، عليه ثياب بيض، قد خرج عليه من جوانب قصره، فقال : السلام عليك يا سليمان، فقال : عليك السلام، كيف دخلت قصري ؟ فقال : أنا الذي لا يحجبني حاجب، ولا يدفعني بوّاب، ولا أهاب الملوك، ولا أقبل الرشا، وما كنتُ لأدخل هذا القصر من غير إذن. فقال سليمان : فمَن أَذِنَ لك في دخوله ؟ قال : ربه، فارتعد سليمان، وعَلِمَ أنه ملك الموت، فقال : يا ملك الموت هذا اليوم الذي أردتُ أن يصفو لي، قال : يا سليمان ذلك اليوم لم يخلق في أيام الدنيا، فقبض روحه وهو متكىء على عصاه. هـ.