قال تعالى :﴿لقد كان لسبأٍ في مسكنهم﴾ أي : في بلدهم، أو أرضهم، التي كانوا مقيمين فيها باليمن، ﴿آيةٌ﴾ دالة على وحدانيته تعالى، وباهر قدرته، وإحسانه، ووجوب شكر نعمه، وهي :﴿جنتانِ﴾ أي : جماعة من البساتين، ﴿عن يمينٍ﴾ واديهم، ﴿وَشِمَالٍ﴾ وعن شماله. وكل واحدة من الجماعتين في تقاربها وتصافها كأنها جنة واحدة، كما يكون في بساتين البلاد العامرة. قيل : كان الناس يتعاطون ذلك على جَنْبتي الوادي، مسيرة أربعين يوماً، وكلها تُسقى من ذلك الوادي ؛ لارتفاع سده. أو : أراد بُسْتانين، لكل رجل بستان عن يمين داره، وبستان عن شماله. ومعنى كونهما آية : أن أهلها لَمّا أعرضوا عن شكر النعم سلبهم الله النعمة، ليعتبروا ويتَعظوا، فلا يعودوا لِمَا كانوا عليه من الكفر وغمط النعم، فلما أثمرت البساتين ؛ قلنا لهم ـ على لسان الرسل المبعوثين إليهم، أو بلسان الحال، أو هم أحقاء بأن يقال لهم ذلك :﴿كُلُوا من رزق ربكم واشكرُوا له﴾ بالإيمان والعمل الصالح، ﴿بلدةٌ طيبةٌ﴾ أي : هذه البلدة التي فيها رزقكم بلدة طيبة، ﴿وربُّ غفور﴾ أي : وربكم الذي رزقكم وطلب شكركم ربٌّ غفور لمَن شكره. قال ابن عباس : كانت سبأ على ثلاثة فراسخ من صنعاء، وكانت أخصب البلاد، فتخرج المرأة على رأسها المكتل، وتسير بين تلك الشجر، فيمتلىء المِكْتَل مما يتساقط فيه من الشجر ولقد كان الرجل يخرج لزيارة أقاربه، وعلى رأسه مكتل، أو قُفة، أو طبق فارغ، فلا يصل إلى حيث يريد إلا والطبق قد امتلأ فاكهة، مما تسقطه الرياح، دون أن يمد يده إلى شيء من ثمرها. ومن طيبها : أنها لم تُرَ في بلدهم بعوضة قط، ولا ذباب، ولا برغوث، ولا عقرب، ولا حية. وإذا جاءهم الركب في ثيابهم القمل والدواب ؛ ماتت الدواب والقمل ؛ لطيب هواها.


الصفحة التالية
Icon