﴿فأَعْرَضوا﴾ عن الشكر، بتكذيب أنبيائهم، وكفر نعمة الله عليهم. وقالوا : ما نعرف لله علينا من نعمة، عائذاً بالله. قال وهب : بعث الله إلى سبأ ثلاثة عشر نبيًّا، يدعونهم إلى الله تعالى، فكذّبوهم، ﴿فأرسلنا عليهم سيلَ العَرِم﴾ أي : سيل الأمر العرم، أي : الصعب. من : عرَم الرجل فهو عارم، وعَرِمَ : إذا شَرِسَ خُلقه وصعب، أي : أرسلنا عليهم سيلاً شديداً، مزَّق سدهم، وغرق بساتينهم. قيل : جمع عَرمة، وهي السد الذي يمسك الماء إلى وقت حاجته.
قال ابن عباس رضي الله عنه : كان هذا السد يسقي جنتها، وبنته بلقيس ؛ لأنه لَمّا ملَكت جعل قومها يقتتلون على ماء مواشيهم، فنهتهم، فأبَوا، فنزلت عن ملكها، فلما كثر
٧٤
الشرُّ بينهم أرادوها أن ترجع إلى مُلكها، فأبت، فقالوا : لترجعي أو لنَقتلنك، فجاءت، وأمرت بواديهم فسُد أعلاه بالعرم، وهو المُسنّاة ـ بلغة حِمْير ـ فسدت ما بين الجبلين بالصخر والنار، وجعلت له أبواباً ثلاثة، بعضها فوق بعض، وبنت من دونه بركة عظيمة، وجعلت فيها اثني عشر مخرجاً، على عدة أنهارهم. فلما جاء المطر اجتمع ماء الصخر وأودية اليمن، فاحتبس السيل من وراء السدّ، ففتحت الباب الأعلى، وجرى ماؤه في البركة، وألقت البقر فيها، فخرج بعض البقر أسرع من بعض، فلم تزل تضيق تلك الأنهار، وترسل البقر في الماء، حتى خرجت جميعاً معاً، فكانت تقسمه بينهم على ذلك، حتى كان من شأنها وشأن سليمان ما كان. فكانوا يسْقُون من الباب الأعلى، ثم من الثاني، ثم من الأسفل، فلا ينفد حتى يثوب الماء من السنة المقبلة. فلما كفروا وطغوا، سلّط الله عليهم جُرذاً، يُسمى الخلد ـ وهو الفأر ـ فنقبه من أسفله، فغرَّق الماء جنتهم، وخرّب أرضهم. هـ.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٧٣